ثقافة تتصاعد منها الكراهية

اشتهرت ألمانيا منذ عدة عقود، وتحديداً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بأنها البلد الأول في أوروبا، الذي ظل يستقبل موجات المهاجرين واللاجئين، الذين ضاقت بهم سبل العيش والكرامة الإنسانية في أوطانهم الأصلية، وظلوا يتطلعون لحياة كريمة ومستقبل أفضل يوفر لهم الأمن والاستقرار والرخاء والحرية، في البلدان الآمنة والسعيدة. وكان ذلك الأمر يمثل قمة «المفخرة الوطنية الألمانية» وقدرتها على حل مشاكل المضطهدين والمسحوقين، في مختلف بقاع العالم.

لكن، ولأول مرة منذ تلك العقود البعيدة، تقف ألمانيا في هذا الموقف الحرج تجاه المهاجرين واللاجئين، بعد أن شهدت مختلف مناطق البلاد، خلال الفترة الأخيرة، حملات عنصرية مسعورة، واعتداءات صارخة على مراكز إيواء اللاجئين، ورفع ملصقات وشعارات تسخر من كافة المهاجرين في البلاد، بشكل يثير الدهشة والأسى في نفوس السياسيين والحقوقيين الألمان. وهذا ما عبّر عنه وزير العدل الألماني الاتحادي هايكو مايس، في حديثه لصحيفة «بيلد» الواسعة الانتشار، عندما قال إنه «يشعر بالعار لمظاهر الكراهية تجاه الأجانب في شوارع ألمانيا».

وفي تصريح خاص للإذاعة الرسمية الألمانية، قال روبرت لودكه، المتحدث الرسمي لمؤسسة «أماديو أنطونيو» المناهضة للعنصرية والكراهية والتطرف اليميني في ألمانيا، بأن مرتكبي الاعتداءات على مراكز إيواء المهاجرين واللاجئين، أصبحوا يرفضون «ثقافة الترحيب بالأجانب»، وهم يشكلون اليوم جزءًا من المشهد اليميني المتطرف في ألمانيا.

ولكن ما يدعو إلى الدهشة والأسى أكثر فأكثر، هو أن هناك غالبية كبيرة من المواطنين الألمان في مختلف مناطق البلاد، بدأت تعبّر بكل وضوح عن رفضها لسياسات الهجرة واللجوء، التي لاتزال تتمسك بها الحكومة الاتحادية، وتعمل في ظلها من أجل مساعدة الفارين من وطأة الحروب والمجاعات في أوطانهم الأصلية، وكذلك النتائج الكارثية الجديدة، التي أظهرتها الإحصاءات الحكومية الرسمية، بشأن كافة الاعتداءات الصارخة، التي تعرضت لها غالبية مراكز اللجوء في ألمانيا.

فقد أظهرت الإحصاءات الرسمية الصادرة حديثاً، أن قرابة 150 حريقاً متعمداً وهجمات أخرى مباغتة، تعرضت لها مراكز إيواء اللاجئين في طول ألمانيا وعرضها، أدت إلى تدمير بعضها بشكل كامل. وهي نتائج وضعت الألمان في خانة الشعب الأكثر تشدّداً وتطرفاً في قضايا الهجرة من شعوب الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي بدأ يعكس مخاوف كبيرة للسياسيين والحقوقيين الألمان، وكذلك المراقبين لقضايا الهجرة في أوروبا، الذين بدأوا يشعرون بمخاوف كبيرة تجاه الأخطار الرئيسية المحتملة للاستقرار في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن تاريخ أوروبا الحديث شهد في مرات متتالية تشوّهات كثيرة، بسبب القومية الألمانية والصبغة النازية التي أفرزتها.

وليست الآمال والتوقعات عالية، بشأن قدرة الحكومة الاتحادية الألمانية على حل معضلة العنصرية المزمنة، ذلك لأن هناك من بين زعماء حكومات الاتحاد، من لم يقبل بتزايد أعداد المهاجرين واللاجئين، التي فاقت كل ما هو معقول بالنسبة إلى حجم المجتمع والاقتصاد الألماني، والتحقوا بجوقة المتشددين والمناهضين للتواجد الأجنبي في البلاد، والتي يرونها اليوم بمثابة تعبير عن «نبض الشارع» الذي بدأ يرفض وبقوة العديد من الممارسات الخاطئة لغالبية المهاجرين واللاجئين في ألمانيا.

ومن الصعب بالطبع، توقع أية تغييرات واضحة في مشهد العنصرية والنازية العارمة في ألمانيا، حيث تزداد «ثقافة الكراهية» ضد الأجانب على المستوى الداخلي، وحيث أن روح التعصب القومي الألماني، تتمدّد بسرعة بين غالبية فئات وشرائح المجتمع، في الوقت الذي تتقدم فيه جميع القوى المتشددة والمتطرفة الألمانية، وتوثيق تحالفاتها مع مختلف القوى والأحزاب اليمينية والعنصرية في أوروبا.

Loading