أوروبا تتطلع إلى «حلف ناتو أقوى»
مع تزايد الضغوط والمخاوف الأمنية الواسعة النطاق، التي تواجه القارة الأوروبية مؤخراً، أعلنت قيادة القوات البرية الأميركية وحلف الناتو في 15 أغسطس/ آب 2015، عن انطلاق عمليات المناورات العسكرية الضخمة (رد عملياتي/ 15) التي يشارك فيها أكثر من خمسة آلاف جندي من 11 دولة أوروبية، (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، أسبانيا، هولندا، بلغاريا، بولندا، اليونان وأميركا)، بهدف «الحفاظ على أوروبا قوية وآمنة» في وجه كافة التحديات الخطيرة.
وفي بيان مشترك عن تفعيل هذه المناورات، أعلن مسئولون عسكريون في حلف الناتو، أنهم يسعون إلى بناء «حلف ناتو أقوى» يتحمل فيه الحلفاء الأوروبيون والولايات المتحدة، حصصاً متزايدة من العبء العسكري، وقدراً أوسع من المسئولية «للحفاظ على أوروبا قوية وآمنة».
وأشار بيان التحالف الأوروبي الأميركي، إلى أن حلف الناتو يتطلع للاحتفاظ بقوة قوية له في أوروبا من أجل «حماية أمنها»، وأن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ترد على كافة التحديات الخارجية الخطيرة، هي في رفع درجات الاستعدادات العسكرية الضخمة، وزيادة تدريب قوات الإنزال الجوي الأوروبي، ونشر وحدات عسكرية مجوقلة، وقواعد مراقبة في عموم أوروبا، وخصوصاً في مناطق البلقان والبحر الأسود.
وبموجب هذا القرار، تعهّد الحلف بإنزال قوات مظلية ومعدات وآليات عسكرية كبيرة في أراضي كل من ألمانيا وبلغاريا، قوامها أكثر من 2000 عسكري، إضافةً إلى الفرقة الأميركية الجوية المحمولة (82) التي شاركت في القتال ضد يوغسلافيا السابقة في العام 1999.
ولكن على الرغم من ضخامة كل هذه الاستعدادات، تظل الشكوك موجودةً في قدرة الحلف على جعل أوروبا قويةً وآمنة، بحسب بعض المراقبين، الذين يرون بأن الظروف الأمنية المشوّشة، وتصاعد التهديدات المعلنة من جانب العديد من المنظمات والحركات المسلحة الإرهابية (الإسلامية) تجاه حكومات الغرب، ربما تعكس حالات عامة مؤداها أن أحد لا يمكن أن يعرف صورة المستقبل، حيث كل الدلائل تشير إلى أن برامج التخطيط العسكري لم تكن دائماً في المستويات المطلوبة لمواجهة التحديات الخطيرة. فبعد فشل بعض حكومات الغرب في التصدّي للاعتداءات، التي طالت بصورة خاصة كلاً من فرنسا والدنمارك في مطلع العام 2015، استمرت مخاوف الشعوب الأوروبية من حدوث عمليات إرهابية مماثلة، على نفس قدر فواجع الأهوال التي أصابت عواصم تلك الدول، في وقت ظلت فيه فرص المراقبة والردع الأمني ضيقة وضعيفة.
ويظل من الصعب جداً تصوّر ما يمكن أن يقوم به حلف الناتو، في مهمته المعلنة بشأن الحفاظ على الأمن والاستقرار في أوروبا، التي سخر لها جحافل الجيوش وإمدادات الأسلحة والمليارات من اليوروات، إضافةً إلى فتح باب التعاون والاتصالات السرية مع بعض الحكومات الأجنبية التي ظلت تعاني من جحيم التشدّد والإرهاب، في ظل تنامي موجة التطرف والتكفير والتخوين وتسفيه الأفكار، التي لاتزال تمارس دورها بشكل قوي ومبرمج على الدوائر المتسعة للتشوّش الأمني، الذي يعم في الوقت الراهن أنحاء القارة الأوروبية.
من جانبٍ آخر، يبدو أن الاتحاد الروسي، الذي يخوض غمار المواجهة السياسية مع حلف الناتو على مشروع الدرع الصاروخية، الذي يهدف لإقامة «حزام أمني» للأعضاء الجدد في أوروبا، قد تلقّى نية الحلف بنشر بنية تحتية عسكرية في منطقة البلطيق والبحر الأسود، وكأنها صفعة موجعة، حيث اعتبرت موسكو بأن تلك المناورات قد تكون خطوةً متقدمةً لإعادة النظر في وثيقة التعاون بين روسيا وحلف الناتو الموقعة في العام 1997، والتي تتضمن امتناع الحلف عن نشر وحدات عسكرية ضخمة في أراضي الدول المجاورة، وبالتالي فإنه قد يكون من الصعب على المراقبين تكوين صورة واضحة عن واقع الاستعراضات العسكرية لحلف الناتو، ونجاحات تحقيق مهمة «الحفاظ على أوروبا قوية وآمنة».