أوروبا… تحالف أمني بين الأشقاء والأصدقاء لمحاربة الإرهاب
بعد أن عجزت دول الاتحاد الأوروبي، عن تحقيق كامل أهدافها المعلنة، في مكافحة قضايا التطرف والعنف والعمليات الإرهابية المنظمة، التي اخترق بعضها عمق كياناتها الوطنية، ولاسيما في الفترة الأخيرة، التي شهدت فيها كل من باريس وكوبنهاجن، العديد من الهجمات الدموية الوحشية، وجدت نفسها في نهاية المطاف، مجبرة على اتخاذ خطوات وقرارات حاسمة وسريعة ضد الإرهاب، وفتح أبوابها مشرعة، على أمل تعاون المجتمع الدولي معها في هذا الشأن.
وكان طبيعياً أن تستثمر علاقاتها القوية والراسخة مع كل حلفائها وأصدقائها حول العالم، وخصوصاً الأنظمة السياسية العربية وتركيا، التي ظلت ترى في حكوماتهم قوة الشريك الحقيقي والثابت، الذي يمكن الاعتماد عليه في جميع الأوقات لتلبية مطالبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، والوقوف إلى جانبها في كل ميادين الحرب الشاملة ضد الإرهاب، ومواجهة أشرس المجموعات المتشدّدة والمتطرفة وأكثرها حرفية.
وعلى خلفية توسع عمليات الإرهاب الممنهجة، التي أخذت تشق طريقها إلى اختراق أبرز العواصم الغربية، تعكف الحكومات الأوروبية على استخدام تكنولوجيا متطورة ومتقدمة جداً في ميدان المراقبة الأمنية المفرطة، على امتداد حدود أوروبا البحرية والأرضية والجوية، بالتعاون التام مع أصدقائها المخلصين والموثوقين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذين تعهّدوا لها سلفاً بتقديم أفضل الخدمات المعلوماتية والاستخباراتية واللوجستية المطلوبة، وبصورة تبدو وكأنها شبه مجانية. إذ يرى هؤلاء أنفسهم أيضاً ضحايا ومستهدفين من ذلك الوضع الكارثي المخيف، في وقت باتت فيه مسئولية مكافحة الإرهاب بحد ذاتها قضية عالمية.
وفي هذا الإطار، تحدّثت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بروكسل، قبل عدة أسابيع، والتي طرحت من خلاله العديد من مسائل ردع الإرهاب على مستوى القارة الأوروبية وحول العالم، عن «ضرورة وجود وسائل تنسيق مشترك مع عدد من حكومات الدول العربية وتركيا»، وكذلك «كافة الأصدقاء المخلصين لشعوب وحكومات الغرب» من أجل وضع استراتيجية موحدة لمنع المزيد من الهجمات الإرهابية في أوروبا.
وأشارت موغيريني إلى جملة أمور تتعلق بذلك، ومن بينها ضرورة منع وصول أية تمويلات مالية لأية جماعة إرهابية، وفي مقدمتها جماعة «الدولة الإسلامية». وأضافت: «إن مفوضية الاتحاد الأوروبي، تدرس في الوقت الراهن عدداً من المشاريع الاستراتيجية المهمة، التي يمكن من خلالها مواصلة العمل الجاد والمثمر، مع بعض البلدان الصديقة من أجل تعزيز التعاون لمكافحة مختلف قضايا الإرهاب والتطرف، ومن بينها تركيا وعدد من الدول العربية، التي تعاني من نفس هذه المشكلات وتهدّد عواصمها مخاطر وقوع عمليات إرهابية منظمة»، وأشارت بالخصوص إلى مصر واليمن والجزائر ودول الخليج العربية.
ومن بين أهم المقترحات الخاصة، التي أشارت إليها الممثلة العليا للمفوضية الأوروبية، المتعلقة بقضية الحرب الأوروبية الموسّعة ضد الإرهاب، تعزيز إجراءات التحقق من الهويات الشخصية على الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، ونشر شبكة هائلة من كاميرات المراقبة، ورصد أفضل السبل المتاحة لتنقل الأشخاص داخل وخارج وعبر أراضي الاتحاد الأوروبي، ومضاعفة إجراءات التفتيش، وزيادة أفراد شرطة الحدود. وستوضع كل تلك الإجراءات موضع التنفيذ في كل مكان من أوروبا، خلال الشهور القليلة القادمة من هذا العام.
ولاشك، في أن دول الاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية وكذلك تركيا، يتحملون مسئولية كل ما يجري من محاولات استفزازية وإرهابية، تحاول أن تعبث باستقرار وأمن جميع الشعوب في العالم. فأوروبا، وعلى رغم زعمها المستمر بمحاربة مختلف قضايا الإرهاب والتطرف والعنف، مازالت تمول بعض المنظمات والحركات الإسلامية المتشددة بالعتاد والسلاح الخفيف والثقيل وكافة التقنيات، فيما تواصل عدة دول عربية عمليات ضخ الأموال الهائلة لمختلف المنظمات المتشددة والإرهابية، التي تقاتل في كل مكان باسم الإسلام.
كما أن تركيا تقوم بدور محوري قوي في وسط هذا الميدان المضطرب، عبر توفير مختلف وسائل الدعم اللوجستي السياسي والإعلامي والمعنوي، بما في ذلك إمكانية توفير ملاذات آمنة لحماية أوضاع المقاتلين في ساحات الصراع في المنطقة. كل هذه الأمور الخطيرة، أدت إلى زعزعة الأمن والاستقرار والسلام والوئام في العالم برمته، وتمادي الحركات المسلحة الإرهابية، في شق طريقها المؤدية إلى تحقيق أهدافها وأحلامها وتطلعاتها المنشودة، واختراقها لعمق العواصم الأوروبية، التي قيل بأن أسوارها ظلّت محصّنةً بموانع صلبة من هبوب رياح وعواصف الصراعات والاضطرابات ومآسي الحروب الكبيرة، التي فعلت فعلها التدميري في حياة شعوبها وأوطانها، على امتداد عدة قرون مضت.