«ملائكة الموت» تصارع البؤساء في المتوسط
في اجتماع طارئ لرؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي، عقد في 24 أبريل/ نيسان 2015، خصص جدول أعماله بالكامل لمناقشة جميع المخاطر المحدقة، التي تواجه دول الاتحاد، بسبب تزايد عمليات تهريب المهاجرين إلى عموم أوروبا، عبر مياه البحر المتوسط، ومجمل العقبات والعراقيل القانونية، التي تواجه مساعي الاتحاد لاعتراض السفن، التي يستخدمها المهربون لنقل المهاجرين غير الشرعيين. وطالبوا في ختام اجتماعهم الأمم المتحدة بالموافقة على مطلب دول الاتحاد، الذي يهدف لمكافحة القرصنة، وقضايا الاتجار بالبشر، والقيام بعمليات عسكرية مباشرة ضد مهربي المهاجرين.
وفي 10 مايو/ أيار 2015 اجتمع في باريس، وزراء دفاع خمس دول أوروبية (إيطاليا وأسبانيا وبولندا وفرنسا وألمانيا) لوضع لمسات المشروع الجديد لمراقبة تحركات السفن المشبوهة، التي تبحر في عرض مياه البحر المتوسط، محملة على متنها أعداداً هائلة من المهاجرين غير الشرعيين، إلى عدد من دول الاتحاد التي بدأت في العمل بتقنيات أمنية عالية، تستخدم في المراقبة الجوية عبر الرادار والتنصت الهاتفي والمعلومات المتوفرة من البوارج الحربية التي تجوب مياه البحر المتوسط، ضمن أجهزة مشروع «تريتون» العملاق، الذي شيده الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة، على امتداد سواحل القارة لتحديد مواقع وتحركات السفن التي تنقل المهاجرين إلى أوروبا، وتفعيل دور عملية «الشراكة الأورومتوسطية» التي أطلقت عليها لاحقاً تسمية «الاتحاد من أجل المتوسط». وكرّروا المناشدة نفسها التي تسعى من خلالها دول الاتحاد للحصول على «تفويض أممي» وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لمشروع تدخلها العسكري لمهاجمة السفن المحملة بالمهاجرين غير الشرعيين، ومنعها من الوصول إلى السواحل الأوروبية.
وفي 18 مايو 2015، أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدير موغيريني، أن دول الاتحاد الـ 28 اتفقت على القيام بعملية بحرية لا سابق لها، تهدف إلى محاربة تهريب المهاجرين في البحر المتوسط. وقالت موغيريني في تصريح للصحافيين في بروكسل إنه «تم اليوم اتخاذ القرار القاضي بقيام عملية بحرية للإتحاد الأوروبي بهدف تعطيل نمط عمل شبكات المهربين في المتوسط».
ولكن، بينما قد تساعد مشاريع الاتحاد الأوروبي الرادعة لمسائل الهجرة غير الشرعية، التي تقلق مضاجع حكوماته وشعوبه معاً، وتثقل كاهل اقتصادياتها المتعثرة أصلاً، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة، التي أنهكت معظم خزائن دول الاتحاد، على حماية أوطانها من طوفان المهاجرين الذين لا يخفون أحلامهم في الوصول إلى «الجنة الأوروبية»، حتى لو كلفهم ذلك التضحية بأرواحهم، وكل ما يملكونه من عرق وشقاء وتعب أجسادهم، قد لا يجد غالبية المهاجرين، الباحثين عن حياة جديدة ومصادر رزق معقولة وسعادة أبدية، في المجتمعات المتطورة الغنية، التي تسعى بشتى الوسائل الممكنة لنشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان خارج حدودها، ويتعرضون بسبب القوانين والإجراءات المشددة لاحتمال فقدان حياتهم، أو ترحيلهم بصورة مؤسفة ومؤلمة، إلى أوطانهم الأصلية التي حاولوا الابتعاد عنها لأسباب اقتصادية أو قهرية أو سياسية.
وأغلبية المهاجرين يتعرضون إلى مشاهد «الموت» المؤلمة، في أعماق المياه الفاصلة بين سواحل المتوسط وضفاف الساحل الأوروبي، حيث أكدت دراسة جديدة أعدها الباحث الهولندي توماس بيكربور، المتخصص في قضايا حقوق اللاجئين في جامعة أمستردام الهولندية، أن أكثر من 3188 شخصاً لقوا حتفهم على سواحل المتوسط، بين أسبانيا ومضيق جبل طارق ومالطا وإيطاليا واليونان بين العام 1990 و2013. وأما المنظمة الدولية للهجرة، فإنها أكّدت على موت قرابة 1800 شخص في أعماق البحر بعد غرق أو جنوح السفن أو الطرود المطاطية، التي كانت تقلهم منذ مطلع العام 2015.
ولكن على الرغم من كافة القوانين والإجراءات المشددة من دول الاتحاد الأوروبي لمنع موجات الهجرة المتنامية، فإن شركات وجماعات تهريب البشر، مازالوا يستخدمون طرقاً ووسائل جديدة ومضادة، لكافة الوسائل التقنية المتطورة التي تستخدمها دول الاتحاد لمكافحة قضايا التهريب.
ويعترف غالبية المراقبين، الذين يرصدون مشاكل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ويطرحون الحلول الملائمة لاحتوائها، بأن دول الاتحاد ستبقى عاجزةً لسنوات طويلة عن التصدي الإيجابي لهذه الظاهرة المزمنة والمعقدة والخطيرة، على الرغم من كل ما تستخدمه من تقنيات وابتكار وسائل جديدة، ولكنهم ينصحون حكومات دول الاتحاد، بأن تتحمل مسئولياتها الإنسانية والأخلاقية تجاه المهاجرين غير الشرعيين، عبر تقديم المساعدات اللوجستية والمادية الضرورية للدول التي تستقبل المهاجرين على ترابها، والالتزام بتنفيذ تعهداتها الدولية في التعامل مع قضايا الهجرة واللجوء بشفافية وإنسانية، بدلاً من تشديد القوانين والإجراءات الصارمة والمقيدة للحريات، وبناء الأسوار العالية في وجه المحتاجين للمساعدة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، من الفارين من بطش وظلم حكوماتهم الاستبدادية، أو إرسال «ملائكة الموت» لمطاردة أرواحهم في قيعان البحار العميقة، أو على ضفاف السواحل الأطلسية، حسب وصف أحد المدافعين عن حقوق المهاجرين في أوروبا.
وتحذّر بعض المنظمات الحقوقية الوطنية الأوروبية، مفوضية الاتحاد الأوروبي، من مغبة اتخاذ القرارات الخاطئة والمجحفة وغير المدروسة، بشأن قضايا الهجرة، وتضييق الخناق على المهاجرين الفارين من وطأة الاضطهاد والعسف العام، وجحيم الحروب والنزاعات المسلحة، والكوارث الطبيعية والمجاعات.
وفي 13 مايو 2015 قدّمت المفوضية مقترحات جديدة لتوزيع اللاجئين على جميع دول الاتحاد، بشكل منصف تقريباً، من خلال تطبيق نظام الحصص. وتضمنت هذه المقترحات، خطة مبدئية لإعادة توزيع المهاجرين الذين يصلون لأوروبا، حيث تقوم كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا باستقبال 45 في المئة من مجموعهم، فيكون نصيب ألمانيا استقبال 18.42 في المئة، وتستقبل فرنسا 14.17 في المئة، وإيطاليا 11.84 في المئة. ولا تشمل خطة إعادة التوزيع، بريطانيا وأيرلندا والدنمارك، كونها غير ملزمة قانونياً بتطبيق نصوص تلك الخطة، نتيجة اعتراضاتهم أو تحفظاتهم القانونية.
نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز، قال إن المفوضية تقترح أن توطن الدول الأعضاء 20 ألف مهاجر في حاجةٍ للحماية، وذلك على مدى العامين القادمين، مضيفاً بأنه سيتم توفير قرابة 50 مليون يورو (56.9 مليون دولار) من أجل ذلك؛ وأن الهدف «فتح قنوات آمنة وقانونية» للأشخاص الراغبين في الوصول للاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن أهداف الخطة إيجاد بدائل جديدة تضيّق الخناق على شبكات التهريب، وتقطع عليها طريق الوصول إلى مختلف موانىء الإتحاد الأوروبي.