الغرب قلق من تصاعد موجة العنصرية
مع وصول عدة قوى يمينية متطرفة إلى مراكز متقدمة في الانتخابات التشريعية الوطنية في أوروبا، وخصوصاً فرنسا وهولندا والدنمارك والنمسا، رغم تجاوز هذه القوى لقوانين المفوضية الأوروبية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، أخذت مشاهد الحياة السياسية والاجتماعية، أشكالاً جديدةً مختلفةً عن المراحل السابقة، التي ظلت فيها العلاقات الودية قائمة مع المهاجرين واللاجئين، والتي تأسّست على قاعدة احترام مبادئ «الديمقراطية وحقوق الإنسان» و»التعامل الإنساني والأخلاقي» مع المضطهدين والمسحوقين من مختلف دول العالم.
حيث برزت في الآونة الأخيرة، وعلى إثر تلك النتائج، إجراءات خطت بخطوات أكثر صرامة، وعلى نطاق تجاوز في بعض الأحيان القوانين الوطنية العامة، في وجه تنامي موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا، والتي وصفتها حكومات الغرب، بـ»المبادرة الشجاعة» لمعالجة قضايا الهجرة المتفاقمة والأوضاع الاقتصادية المتفجرة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية، وكذلك بعض الممارسات الخاطئة والسلبية لدى غالبية المهاجرين واللاجئين، الذين ظل بعضهم يتحدى علمانية هذه الدول، ويفرض موروثه الاجتماعي التقليدي وهويته الدينية.
إذ أن الانتصارات المتلاحقة، التي توجت بها أحزاب اليمين المتطرفة، سواء على صعيد الانتخابات الوطنية، أو على مستوى البرلمان الأوروبي في خلال السنوات الأخيرة، رفع من مستوى النزعة العنصرية والشوفينية، وكافة المحاولات المناهضة للهجرة والخوف من صعود الإسلام في أوروبا، الأمر الذي بدأ يقلق خبراء مفوضية حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، وكذلك اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، حيث لاتزال تلاقي الشعارات العنصرية والشوفينية والنازية، مساندة واضحة وقوية، لدى القوى المتشددة والمتطرفة.
ويرى العديد من المراقبين، بأن أحزاب اليمين المتشددة والمتطرفة، التي تصدر بعضها واجهة الأحداث في أوروبا، سوف يكون بمقدورها في المستقبل القريب، أن تمتلك أكبر وأقوى قاعدة جماهيرية داعمة ومساندة لمشاريعها الوطنية، على حساب القوى والأحزاب السياسية الأخرى، التي ما تزال تتبنى برامج متعددة تخفف من الأضرار الاجتماعية والاقتصادية تجاه المهاجرين واللاجئين. ومن بين ما يراه هؤلاء المراقبون أن قوى اليمين المتطرف على الرغم من عدم استطاعتها تحقيق كامل أهدافها المعلنة والوصول إلى السلطة في العديد من الدول الأوروبية بسبب توجهاتها وتطلعاتها الشوفينية والنازية، يمكنها على امتداد السنوات المقبلة من مضاعفة شعبيتها الواسعة، التي يمكن أن تضرب بها الأرقام القياسية في أية انتخابات محلية أو أوروبية، حيث أن الفجوة بدأت تتزايد بشكل مستمر ما بين الأحزاب التقليدية، وقواعدها وجماهيرها الشعبية، بعد تاريخ من الوعود الطويلة بتحقيق «الأحلام الوردية» المنشودة، سواءً على المستوى الوطني أو الأوروبي، والتي أصبحت في ظل الظروف الجديدة -بحسب الكثيرين- ليست أكثر من مجرد شعارات رنانة يرددها قادة تلك الأحزاب في مناسبات عديدة، في وقت أخذت فيه بعض هذه القواعد تتجه نحو القوى الصاعدة الجديدة، التي ترفع شعار الوطنية والقومية.
ولا يستبعد المراقبون انعكاس صورة «الانتصارات» السريعة والواسعة، لقوى اليمين المتطرف في أوروبا على الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة اليوم في الاتحاد الأوروبي، فيقوم بعضها بتحدي أو بعرقلة العديد من المشاريع الأساسية المهمة في الاتحاد، خصوصاً موضوع توسيع نطاق الوحدة الأوروبية، وكذلك العملة النقدية الموحدة (اليورو) والأجواء الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان المكرسة في قوانين الاتحاد الأوروبي، التي ظلت تتفاخر بها بعض دول الاتحاد، وتسبق بها دول العالم على امتداد عدة عقود من الزمن، الأمر الذي يفرض على كافة القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأوروبية، التي ترغب بأن يكون الاتحاد الأوروبي متماسكاً في سياساته وتطلعاته وأمانيه، التصدي لها بشتى الوسائل، من أجل الوئام والسلام والاستقرار.