نحو تحقيق العدالة والإنصاف بين البشر

ظلت الجهود الإنسانية، على امتداد عدة عقود مضت، تبحث عن تنظيم إنساني واجتماعي يسعى إلى تحقيق العدل والانصاف بين البشر، وألا يتحول ذلك، إلى صورة الاضطهاد والاستبداد والاستعباد، ولهذا انهمك منذ ذلك الوقت الفلاسفة والمشرعون في البحث المضني، عن إيجاد أفضل السبل والوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الاهداف، وذلك من أجل تكريس وتعزيز كرامة الانسان وسعادته وتطوره وتقدمه، في كل زمان ومكان في العالم.

ثم جاءت معاهدات واتفاقيات وبروتكولات الامم المتحدة، التي كرست وعززت ظاهرة التضامن الاخوي والتضامن والتعاون الانساني، برسالة عالمية، تتبنى كل أهداف العدالة والانصاف بين البشر، وكان من ضمن ما انطوت عليه سطورها الاساسية (الفقرة الثالثة من المادة الاولى): «تحقيق التعاون الدولي في حل المشكلات الدولية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والانساني، وإشاعة وتطوير احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية لجميع البشر، بصرف النظر عن العرق والجنس أو اللغة أو الدين».

كما نصت الفقرة (ج) من (المادة 55) من ميثاق الامم المتحدة على: «تحقيق احترام البشر جميعاً بصورة فعالة، وكذلك الحريات الاساسية للجميع دون النظر إلى العرق والجنس واللغة أو الدين».

وحرص المشرّعون على أن تتضمن جميع الدساتير العالمية الحديثة، مواد تحترم المبادئ الاساسية الجوهرية، المتعلقة بحقوق الانسان وكفالة وضمان الحريات، غير أنه للأسف الشديد، بقيت بعض دول العالم التي تتكلم عن العدالة والانصاف وضمان الحريات، تخرق باستمرار النصوص والمواد الاساسية الجوهرية المكرسة بتلك الدساتير. وهو ما يعني انها تتبنى برامج وأهدافاً مخالفة للتشريعات والنصوص والبنود التي تقرها في دساتيرها الوطنية، في الوقت الذي ظلت تعتمد فيه اعتماداً كبيراً على نظرياتها حول ظاهرة الحقوق والحريات، التي تردع الارادة العامة للناس، وتكرس وتعزز مظاهر القهر، لأن لكل هذه الدول شهية كبرى وثقافة أكبر لتبني سياسات وبرامج عديدة، ليس فقط من أجل الاحتكار المطلق للسلطة والحكم، بل أيضاً فرض هيبة القوة والقمع، ضد كل الاصوات، التي تحاول أن تعارض أو تناهض مختلف توجهاتها وسياساتها الاستبدادية القمعية.

وقد يكون تفرد حكومات تلك الدول بصنع قرارات المجتمع برمته، هي أحد الاسباب بمعية أسباب أخرى مثل فرض هيبة صورة الدولة، هو العائق الأساسي لانعدام تحقيق العدالة والانصاف بشكل جماعي بين البشر في تلك الدول. ويختلف الامر بالنسبة إلى الديمقراطيات المتقدمة التي تتحول فيها غريزياً مفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، إلى مكاسب كبيرة وحقيقية، تخدم مؤسسات الدولة والمجتمع معاً، وتحقق النمو والرقي والازدهار، وتحل المشكلات الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والانساني. كما تسهم في نشر وتطوير مفاهيم حقوق الانسان، واحترام جميع الحريات الأساسية داخل المجتمع، حيث أن تحقيق مجمل تلك الأهداف وبشكل كامل، هو الشرط الأولي المطلوب، من أجل تجسيد وتكريس وتعزيز كل مفاهيم العدالة والانصاف بين البشر.

Loading