النعيمي… وآخرون ثمناً للنضال
كان يوم 1 سبتمبر/ أيلول 2011 الذي فارق فيه الحياة المناضل الوطني والقومي والأممي، عبدالرحمن محمد النعيمي (زعيم الجبهة الشعبية في البحرين) خلال مرحلة النضال السري، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» في فترة الانفتاح السياسي، يوما لا يمكن أن ينسى في تاريخ البحرين، حمل معه في ذلك اليوم الموجع والمؤلم لكل أفراد عائلته المضحية، وجميع من رافقوا مسيرة حياته النضالية الطويلة ـ ونحن منهم ـ أو من تعرفوا من قريب أو بعيد، على كل تضحياته وشموخه وتواضعه وعزة نفسه وكرمه وتعطشه للدفاع عن قضايا الوحدة الوطنية والسلم الاهلي، وهموم وأوجاع الفقراء والمسحوقين على المستوى الوطني وفي كل أنحاء العالم.
وعندما فارق النعيمي الحياة ومتاعبها وهمومها، التي أجبرته على النضال من أجل الحريات، ومن أجل بناء وطن لايرجف فيه الأمل، ومستقبل زاهر للأجيال الحاضرة واللاحقة، كانت الساحة البحرينية، تعيش حالة انعدام التوازن والأمن والاستقرار، فرضت على السلطة والمعارضة إبقاء الصراع بشكل لا تستطيع البلاد تحمله في الفترة الحالية، بحيث لم يتسع صدر الجميع لمعالجتها بواسطة الوسائل السلمية والقانونية والدستورية المشروعة حتى الآن.
لقد رحل النعيمي، ومن قبله الباكر والذوادي والشيخ الجمري، ومن بعدهم لحقت سلسلة شاسعة من المناضلين المضحين بأرواحهم وأبنائهم وأحفادهم في سبيل الوطن والقضية، وفي نفوسهم وأفئدتهم «غصة» البحث عن حلول ناجعة وكفيلة بترسيخ وتعزيز التقاليد السياسية المتصلة بالأدوار الراسخة في القوانين والإجراءات والمؤسسات التشريعية والمدنية الأهلية، وفي صناعة القرار السياسي الجدي في مؤسسات السلطة التنفيذية، تنقذ البلاد من دوامة الأزمات الخطيرة.
قال النعيمي، ومن قبله الباكر وجميع رفاقه في هيئة الاتحاد الوطني البحرينية، ومن بعدهم الذوادي والشيخ الجمري: «إن قضايا النضال الوطني ليست مجرد عنوان لمراحل مضت فحسب، وليست عنوانا لما هو حاضر، بل هي عنوان لكل ما هو قادم من أمور كبيرة يمكن الاختلاف عليها أو توسع الجدل حولها بين السلطة والمجتمع». وقالوا أيضا: «إن دعواتنا الصادقة من أجل حماية الوطن والقضية الوطنية، أن تستقر في ربوع البلاد، كل أسباب الأمن والاستقرار، وأن ترتفع عاليا شعارات التوافق الوطني والوحدة، وتكريس وتعزيز سبل التنمية وضمان الحقوق والحريات، وحل كل خلاف سياسي بواسطة وسائل الحكمة والشفافية والتعقل، وليس في استخدام أدوات القوة والردع وقهر الإرادات».
رحل النعيمي، ومعه جميع المناضلين الأوائل، ومن بعدهم جاءت أجيال تشربت من معين أفكارهم وأحلامهم وتطلعاتهم الوطنية، مختلف قضايا الوطن وأهمية ومصداقية القضية، وأرادت أن يتسع رحاب هذا الوطن للجميع من دون استثناء أو تهميش أو تفضيل أحد على الآخر، ولكن شاءت الظروف والأقدار، أن تبقى الأمور على حالها، في انتظار ما سوف تسفر عنه الأوضاع والمستجدات، التي يأمل الجميع أن تنتهي بتوافق وطني منطقي ومقبول يلتقي حوله الجميع، لتدارك جوهر الأخطار الداهمة، التي طالت تركيبة البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ويهدد بالقضاء على ماتبقى من الوحدة الوطنية وأشكال الممارسة النضالية الحقيقية السلمية، التي كرستها إرادات وتطلعات رواد النضال الأوائل، واستطاعت نضالات بعض القوى المسالمة اللاحقة الحفاظ عليها.