جيريمي كوربين… الزعيم والإنسان

يحسب لزعيم حزب العمال البريطاني الجديد، جيريمي برنارد كوربين (66 عاماً) الذي فاز بقرابة 60 في المئة من أصوات المقترعين في انتخابات الحزب الاستثنائية، التي جرت في (12 سبتمبر/ أيلول 2015)، وشارك فيها قرابة نصف مليون ناخب من قادة وكوادر وقواعد الحزب، وذلك على رغم المعارضة واسعة النطاق من جانب الجناح المحافظ في الحزب، الذي قيل إنه قد حث كل قواعده وأنصاره على عدم التصويت لصالح «جيريمي» الاشتراكي المشاكس العنيد في حزب العمال.

إنه أمضى أكثر من 32 عاماً من حياته السياسية في النضال الشرس، من أجل الدفاع عن قضايا العمال والفقراء والبؤساء وكل الطبقات المسحوقة، وتصدى بقوة لكل حوادث الرشوة والفساد وسياسات التقشف الصارمة، التي فرضتها خلال السنوات الأخيرة قوانين وإجراءات حكومة حزب المحافظين، في وقت كان يواجه فيه المجتمع البريطاني برمَّته صعوبات ومشاكل معقدة أكثر من الحلول.

وكان مدافعًا صلبًا عن قضايا الشعوب المضطهدة والمسحوقة، التي ظلت تعاني الأمرَّين، من أهوال المظالم الاستعمارية والاستيطانية والتبعية الأجنبية والتدخلات السافرة السياسية والاقتصادية والعسكرية الخارجية، وتسلط الحكام المستبدين والفاسدين، على مختلف مصادر القرار والثروة والسلطة والحكم.

وبقدر ما استطاع جيريمي كوربين، أن يصل بجدارة فائقة فاجأ جميع المراقبين، بتولي زمام الزعامة في أحد أعرق الأحزاب السياسية البريطانية، وأن يقحم نفسه بقوة في مناصرة العديد من حركات التحرر الوطني، وقضايا الشعوب الفقيرة في العالم، فإنه سيبدأ بفتح صفحة جديدة للحزب بنكهة اشتراكية تقليدية، قد تؤدي إلى حدوث تغييرات ثورية، وإلى تحول في البنية السياسية والتنظيمية لحزب العمال، ومحاولة إيجاد دور جديد على المسرح السياسي البريطاني، يكون مبنيّاً على إحداث تغيير اقتصادي واجتماعي نحو الأفضل، والعمل على إزالة آثار بعض التجاوزات والتشوهات، التي تسبب بها زعيم الحزب ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير؛ نتيجة احتفاظه بعلاقات وثيقة مع الإدارة الأميركية الديمقراطية، وإصراره على التبعية الجارفة لها، وخوض الحروب في العالم، بحجة «نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة قضايا التطرف والإرهاب». والتخلص من البيروقراطية الثقيلة في أوساط المنظومة الحزبية، التي غدت عائقًا في وجه أيّ تحدٍّ للمنافسة القوية مع حزب المحافظين، الغريم الأول في الصراع الانتخابي التشريعي المؤدي إلى تسلم السلطة، والذي استطاع البقاء لدورة ثانية في سدة الحكم بعد انتصاره الساحق في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي جرت في (7 مايو/ أيار 2015)، والسعي إلى بناء مجتمع كريم وأفضل للجميع وبشكل أكبر، وخاصة أنه يعتبر الآن زعيم المعارضة ورئيس حكومة الظل في المملكة المتحدة البريطانية، وعلى كاهله تقع مسئولية المواجهة مع حكومة مازالت تفرض واقع التقشف الصعب، وتحتكر القوانين والحلول والسلطة، وكيفية التعامل مع قضية بقاء بريطانيا داخل المؤسسات الأوروبية أم لا ؟.. وكذلك تبديد مخاوف البريطانيين من تراخي الروابط التقليدية بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي، وخاصة أن البلاد مقبلة على إجراء استفتاء شعبي حر ومباشر قبل نهاية العام 2017 حول استمرار بريطانيا أو انسحابها من عضوية الاتحاد الأوروبي، والأهم من ذلك كله هو العمل على تهدئة المخاوف التي أخذت تعتمل في نفوس أعضاء الحزب والقائلة إن حزب العمال لن يتمكن من تحقيق الفوز في الانتخابات التشريعية البريطانية القادمة، وقيادة الحكومة مرة أخرى في المملكة المتحدة البريطانية.

وكان من أبرز النقاط المضيئة في سجل جيريمي برنارد كوربين النضالي العتيد، من أجل الديمقراطية والسلام والحريات، هو جعل بريطانيا أكثر تسامحاً وتعاطفاً، وأكثر تقبلاً للتنوع الثقافي والاجتماعي، وتضييق فجوة الفوارق الطبقية واسعة النطاق في المجتمع، ونسف المنطق الذي يستند اليه حزب المحافظين بخصوص تكريس وتعزيز نهج التقشف، وفرض الضرائب العالية على الثروات، ونزع الأسلحة النووية والفتاكة، و»التعاطف الانساني» الحقيقي والجاد مع النازحين واللاجئين، الذين يظلون يبحثون دائما عن ملاذات آمنة لهم في أوروبا وحول العالم، وكان قد شوهد الرجل وهو يتقدم الصفوف الأولى في تظاهرات التضامن مع اللاجئين السوريين وغيرهم من النازحين، التي خرجت أخيراً في ساحات وشوارع لندن. والبعض يرى فيه صورة الزعماء الاشتراكيين الكلاسيكيين، الذين عاصروا زمن الاشتراكية أو «الشيوعية» التقليدية السابقة.

ويعتبر جيريمي برنارد كوربين، الذي ينتمي إلى عائلة يسارية مهتمة بقضايا السياسة، ناشطًا بارزًا في الدفاع عن قضايا السلام وحقوق الانسان، وأحد المؤسسين في تحالف «أوقفوا الحرب» الذي تأسس في لندن في العام 2001 المناهض لشن الحروب في العالم، وأحد أبرز قادة حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني المنكوب والمشرد من أرضه التاريخية، والمعارضين الأشداء للحروب الأمبريالية الأميركية والغربية على أفغانستان والعراق، وكافة التدخلات العسكرية الأجنبية المباشرة في سورية وعلى مستوى العالم برمته.

وكان قبيل انتخابه زعيماً جديداً لحزب العمال بوقت قصير، أعلن جيريمي كوربين، أنه يجب عليه بوصفه قائد الحزب وحكومة الظل في البرلمان، تقديم «الاعتذار» عن كل ما فعلته الحرب الدامية والمؤلمة، التي شهدها العراق في العام 2003، أمام تحالف القوات المتعددة الجنسيات، والتي شاركت فيها القوات المسلحة البريطانية بشكل مباشر، ابان عهد سلفه الأسبق في قيادة حزب العمال والحكومة البريطانية طوني بلير.

ولذلك فعندما يحل جيريمي كوربين، حاضراً وفي المستقبل ضيفاً على البلدان، الذي وقف مدافعاً عن معاناتها وأوضاعها الانسانية، سيجد شعوبها أكثر احتفالية وشعوراً بالفخر بإنجازاته النضالية الطبقية العمالية، ومواقفه الإنسانية والأخلاقية الجادة والصادقة والرائعة.

Loading