دموع أنجيلا ميركل … والقنابل الموقوتة
كيف يمكن قراءة القرار الأخير، الذي أعلنته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قبل بضعة أسابيع، عن تجاوز بعض قواعد الاتحاد الأوروبي، تجاه التعامل مع تصاعد أزمة اللاجئين في أوروبا، وذلك بسبب عدة دوافع «إنسانية وأخلاقية» تقول عنها المستشارة الالمانية، إنها احدى المهام الوطنية الكبرى، التي يجب على المانيا التحرك باتجاهها من أجل حماية الناس المضطهدين وتوفير الملاذات الآمنة لهم «ألمانيا تفعل ما هو ضروري من الناحية الانسانية والأخلاقية والقانونية» وبذلك تكون أنجيلا ميركل، قد ضاعفت من اهتمام المانيا في الأوقات الصعبة بقضايا اللجوء والهجرة، من خلال توجهات الحكومة الألمانية نحو استقبال المزيد من اللاجئين الفارين من مختلف مناطق النزاعات والتوتر في العالم، حتى لو كان ذلك على حساب الاتفاقات والإجراءات والقواعد الصارمة، المعمول بها في أوروبا، في وقت تسعى فيه دول الاتحاد الأوروبي، إلى توسيع نطاق المراقبة الصارمة على حدودها (الجوية والبحرية والبرية) بهدف منع تدفق موجات المهاجرين غير الشرعيين، إلى أقصى حدود الممكن، وكذلك فإن القرار الألماني، بتعليق العمل باتفاقية «دبلن» التي تنص على أن يبقى طالبو اللجوء في الدولة التي وصلوا إليها أولاً في نطاق الاتحاد الاوروبي، قد زاد من آمال المهاجرين واللاجئين، بأنهم سيحظون بمعاملة إنسانية ورعاية خاصة داخل المقاطعات الاتحادية الألمانية، بإعتبارهم ضحايا الحروب.
لكن في مقابل ذلك، فانه بالنسبة إلى العديد من قوى المجتمع الألماني السياسية والاجتماعية، وخاصة الاحزاب والحركات المتشددة والمناهضة للهجرة، فان هذا القرار، إنما يحمل في طياته مؤشرا إلى خطر الدخول في «مآزق شريرة» داخل المجتمع الألماني برمته، حيث تخشى كل هذه القوى من أن يكون بين هؤلاء المهاجرين، أعداد هائلة من المتشددين الاسلاميين والارهابيين، وقد تعززت مواقف القوى المتشددة والمتطرفة، بعد التحركات الجماهيرية الكبيرة، التي طالبت حكومة أنجيلا ميركل، بالتصدي للموجات العارمة من المهاجرين واللاجئين، التي أغرقت المانيا في السنوات السابقة وخلال الشهور الأخيرة من العام الجاري، حيث شهدت ألمانيا (موجة هجرة كبيرة) وغير مسبوقة في تاريخ البلاد المعاصر. قابلتها كذلك في الوقت نفسه موجة احتجاجات وتظاهرات حاشدة وحرائق وأعمال تخريب في معسكرات اللاجئين، في مختلف المناطق الألمانية، وخاصة داخل المقاطعات الشرقية من البلاد، التي أخذت تنتشر في ربوعها بعد نهاية الحكم الشيوعي الشمولي، مختلف مظاهر التعصب القومي وكراهية التواجد الأجنبي، الذي يعتبرونه صراحة بمثابة «القنبلة الموقوتة» التي يمكن أن تفجر خواصر المجتمع الألماني برمته في المستقبل.
وحيث بثت مختلف وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية الالمانية والعالمية على حد سواء، في خلال الاسابيع الاخيرة الماضية، صورة مثيرة للمستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، وهي تجهش بالبكاء، على آلام ومعاناة أطفال اللاجئين من مختلف المناطق المنكوبة حول العالم، ولاسيما سورية والعراق وفلسطين وأفغانستان ودول شرق آسيا وشمال إفريقيا وغرب البلقان، فان المواطنين الالمان، على رغم بعض تحفظاتهم على قرارات وإجراءات حكومة ميركل، بشأن مخالفة قواعد اللجوء والهجرة، سواء على المستوى الوطني أو الأوروبي، يرون أن «السيدة الحديدية ميركل» أو «ماما ميركل» كما يحلو لغالبية الألمان وصفها، قد تشربت مشاعرها الانسانية والاخلاقية، وبكل ما يوحي لها ضميرها من تعاطف شديد تجاه محنة الشعوب، التي تواجه الأضطهاد والحرمان والحروب والكوارث البيئية، لكن في المقابل أيضاً فان هناك بعض المواطنين، من يرى أن «خطوات متسرعة ومندفعة» كهذه، يمكن أن تعرض أمن ومستقبل البلاد الاجتماعي والاقتصادي، إلى أزمات ومخاطر كبيرة، وعليه فانه ينبغي على السلطات الرسمية الالمانية «توخي الحيطة واليقظة» مما ستنتج عنه مظاهر التوسع الاضافي للهجرة واللجوء في المانيا.
ومن المتوقع، في ظل الاجراءات الجديدة المبسطة حول الهجرة، أن ترتفع أعداد اللاجئين السوريين، إلى مستويات قياسية كبيرة، بعد التصريحات الأخيرة، التي أطلقت عنانها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، التي شددت على أن المانيا ستمنح اللاجئين السوريين وضعا خاصا، نتيجة معاناتهم من دوامة حرب طاحنة لاتزال تجرى في بلادهم، وتبرر لهم واقع الهجرة الجماعية إلى مختلف المناطق المستقرة والآمنة.
وتقول الاحصاءات الصادرة مؤخراً عن مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن الحرب الدائرة في سورية، أسفرت عن سقوط أكثر من 250 ألف قتيل، إضافة إلى نزوح ملايين الأشخاص داخل الأراضي السورية وخارجها.