لماذا عجزت أوروبا عن صد طوفان المهاجرين؟

أثبتت الاتفاقيات الاوروبية المتعلقة بقضايا المهاجرين واللاجئين، أنها لم تكن أداة فعالة في تحقيق الاهداف والتطلعات التي أقيمت لتحقيقها، وكان جوهر هذه الاتفاقيات هو التصدي بقوة لطوفان اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، التي أغرقت أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وضمان أمن واستقرار دول الاتحاد الأوروبي، من تهديدات ومخاطر الحركات المتشددة والمتطرفة، التي ظلت تكشر عن أنيابها في وجه القارة الأوروبية «الكافرة والملحدة».

وتجتمع آراء المراقبين، على أن أسباب عجز دول الاتحاد الاوروبي، عن تحقيق تعهداتها الوطنية والاوروبية تجاه الهجرة، إلى أنها لم تستطع أن تبحر في سفينة واحدة، لأن هناك أكثر من ربان يقود سفينة دول الاتحاد الاوروبي، وبالذات تلك الدول الواقعة شرق القارة الاوروبية، التي ظلت دائماً تشتكي من ضعف وارداتها الاقتصادية وخواء خزائنها المالية، وهي بذلك لا تستطيع استيعاب الأفواج الهائلة من المهاجرين واللاجئين، بينما أخذت حكومات الدول الاخرى، ذات الاقتصادات القوية مثل ألمانيا وفرنسا والسويد، على عاتقها تحمل هذه المسئولية الكبيرة والضخمة، من منطلق دوافع التعاطف الانساني.

وقد بلغ عجز تلك الدول إلى ذروته، في الخلاف على نصوص اتفافيتي «دبلن» الاولى والثانية، وتوزيع حصص اللاجئين بين دول الاتحاد الاوروبي، والذي وصف فيما بعد «بشديد القوة والخطورة»حيث ألمانيا وفرنسا والسويد، العبء الأكبر من المهاجرين واللاجئين، الذين ضاقت بهم السبل في البحث عن الملاذات الآمنة، بينما انتقدت بريطانيا ودول جنوب وشرق القارة الاوروبية، سياسات الهجرة، وسارعت إلى صد طوفان المهاجرين واللاجئين، عبر الإجراءات المشددة على الحدود، وسن القوانين المجحفة بحق الأشخاص الذي يفترض بأنهم لاجئون ومهاجرون غير شرعيين، إلى حد أعلنت فيه جمهورية مقدونيا حالة الطوارئ ونشرت وحدات من الجيش النظامي المقدوني لمواجهة الموجة المتلاطمة من المهاجرين الزاحفين من جهة المدن والمناطق اليونانية.

ولذلك فإنه ما أن شرعت تركيا ودول البلقان، الأبواب على مصراعيها في خلال الفترة الأخيرة لخروج «جحافل اللاجئين» من أراضيها باتجاه الزحف إلى «أرض الاحلام» في أوروبا، ووصول طلائعها الاولى، إلى هنغاريا (المجر) تحت وطأة المخاطر البالغة، حتى تبينت هشاشة الاجراءات الاوروبية وضعفها في مواجهة تحدي المهاجرين واللاجئين للقرارات الاوروبية ذات الصلة بقضايا الهجرة.

وكان واضحاً منذ البداية، أنه رغم الاستعدادات الأمنية والعسكرية المكثفة، التي تكفل بها نظام «فرونتكس» الحديدي، المكلف بحماية الحدود الخارجية لفضاء «شينغن» من عمليات القرصنة البرية والبحرية، والذي كلف الوكالة الاوروبية مبالغ هائلة بلغت أكثر من 120 مليون يورو، فإن استراتيجية مكافحة الإرهاب وشبكات الجريمة المنظمة، وتأمين حصانة الحدود على امتداد مساحات القارة الاوروبية الشاسعة، أثبتت عدم فاعليتها الجدية، وتخللتها نواقص كثيرة، في تقنيات المراقبة الأمنية الذاتية والعامة، رغم أن جميع الاتفاقيات الأوروبية بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، كانت تنص على ضمانات أمن حدود الاتحاد الاوروبي، من أسوأ أشكال الهجرة السرية وغير الشرعية.

ومن تحصيل الحاصل، أن يقال بعد أن دكّ طوفان اللاجئين والمهاجرين أسوار أوروبا المحصنة وقلاعها، وتغلغلت في مختلف عواصمها الغربية، أن معالجة أزمات اللجوء والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، لاتزال تخطو بخطوات مثقلة وخجولة وربما قد تكون مستحيلة، في ظل الشكوك والخلافات الاوروبية الراهنة، وهي بذلك تحتاج إلى عدة مراجعات ومشاورات وتوافقات مشتركة وجديدة، لكي تستطيع الخروج بوضع آمن ومريح، من مأزق الهجرات السرية وغير الشرعية المستمرة بأحجام أكثر جسامة من السابق.

Loading