الوحدة ضد الإرهاب

أجمعت مختلف وسائل الإعلام والدوائر السياسية والمنظمات الحقوقية الوطنية الأوروبية، على أن الهجمة الإرهابية المجنونة، التي هزت باريس في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 وأودت بحياة قرابة 139 قتيلا وأكثر من 250 مصابا بعضهم في حالات حرجة، لم تستهدف فقط أرواح الناس الأبرياء، الذين وجدوا أنفسهم ضحايا لعمليات إرهابية ممنهجة، يقودها تنظيم «داعش» الإرهابي في كل مكان في العالم، بل أيضا صميم واقع الديمقراطية والحرية والمساواة والتسامح والأخوة، التي ظلت عبر تاريخ طويل من الزمن، عنوانا بارزا للتقدم والتطور الحديث في أوروبا. ودعت كل تلك الجهات باسم القيم الفرنسية الراسخة «الإنسانية والأخلاقية» أن يتحد المجتمع الدولي برمته ضد الارهاب.

وحذرت، عدة قيادات سياسية وحقوقية وطنية في أوروبا، أنه بعد قيام «المجزرة البشرية» المؤسفة، التي أغرقت فرنسا بالدم، من حدوث ما هو أسوأ منها، خلال مراحل الزمن القادمة، حيث أن حلقات امدادات الخلايا النائمة والخلايا الارهابية المتواجدة في أوروبا، مازالت تكشر عن أنيابها، وتتوعد بالمزيد من إراقة الدماء البريئة وتدمير الأوطان، إذا لم تظهر حكومات الغرب قدرتها على الاصطفاف والعمل المشترك على كسر شوكة المتطرفين والارهابيين القتلة، وتحشيد مختلف قوى المجتمع ضدها، وتكثيف البرامج الأمنية الوطنية والموحدة على مستوى دول الاتحاد الاوروبي.

وأضافت، أن تسامح أوروبا وعدم وضع قيود مشددة على مسائل اللجوء والهجرة، قد يفتح فرصا جديدة وعديدة أمام الحركات المتطرفة والإرهابية، ويمهد الطريق أمام عناصرها للقيام بعمليات تخريبية وإرهابية في عدة عواصم أوروبية، وقد تجعل جميع المواطنين الأوروبيين عرضة لخطر العيش المشترك، التي ظلت تتميز به شعوب أوروبا، حيث أن تهديدات هذه الحركات مازالت قيد العمل في الفترة الحالية، ومضاعفاتها الكاملة لايمكن التنبؤ بها.

وأشارت صحيفة «لوموند» الفرنسية، في تغطيتها التفجيرات الدامية، التي هزت باريس أخيرا، إلى أن العناصر الأرهابية، أصبحت اليوم أكثر عدوانية في عمليات اقتحامها للمراكز الثقافية ودور السينما والملاعب الرياضية، التي يؤمها الكثير من الناس، ووصفت هذه التفجيرات، بأنها تمثل «حالة حرب» شاملة، ليس فقط بالنسبة لفرنسا وحدها، بل على مستوى دول القارة الأوروبية، وعلى القيم والتقاليد والمعتقدات والثقافات الراسخة في أوروبا، المتمثلة في الديمقراطية والحرية والتسامح وحقوق الانسان. واعتبرت أن الحركات المتطرفة والإرهابية، التي لم تضع حدا لأعمال القتل، تجاوزت كافة الخطوط الحمراء، وهي ستظل «تقاتلنا فقط لوجودنا، أكثر مما تقاتلنا بسبب تصرفاتنا وأفعالنا».

وأما صحيفة «تاغس تليغراف» الهولندية، التي عبرت عن تضامنها مع ضحايا المجزرة الباريسية. فقد تحدثت عن أن الارهاب الأعمى، الذي يتبناه تنظيم «الدولة الاسلامية» بدأ الآن يقود «حربا على الغرب» وعلى القيم الراسخة، التي يتبناها، ولذلك فان «كابوس باريس» يمكن أن يتجاوز حدود فرنسا، ليطال في المستقبل القريب والبعيد، جميع الدول، التي تمثل قيم التسامح والحرية وحقوق الإنسان.

ودعت كافة القوى المناضلة من أجل السلام في أوروبا، حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي، إلى تبني قوانين جديدة ومشددة، تهدف إلى «حرمان من يثبت تورطهم في قضايا إرهابية من أي ملجا» في العالم، وفرض المراقبة الأكثر تشددا على عمليات تهريب البشر عبر الحدود، وتوفير الوثائق الضرورية لملاحقة المهربين ومحاسبتهم.

وشددت هذه القوى، على أنه بدلا من مواصلة اهتمام الدول الأوروبية والمجتمع الدولي بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، يجب أن يتوحد الجميع في مواجهة تنظيم «الدولة الاسلامية» الإرهابي وكسر شوكته.

وعلى أي حال، فإن قدرة دول الاتحاد الأوروبي، على مكافحة جذور الإرهاب بشكل عام، والبحث عن الخلايا النائمة والخلايا الارهابية المتواجدة في أوروبا، لم تعد ممكنة بدون أن تطور قدرات خاصة لخلق وتنسيق تحالفات قوية وجدية، وتبني أنشطة وبرامج عديدة، من أجل مواجهة القوة المتنامية للحركات المتطرفة والإرهابية، وحلقات إمداداتها المتغلغلة في أوروبا.

Loading