عصر جديد من المراقبة الأمنية في أوروبا
بعدما غرقت باريس، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 في بحر من الدماء، تزعمت الحكومة الفرنسية، حملة وطنية وأوروبية ودولية واسعة النطاق ضد الارهاب، وقيادة حرب شاملة على مايسمى تنظيم «الدولة الاسلامية» في سورية والعراق، حيث تبنى هذا التنظيم كافة العمليات الإرهابية، التي هزت باريس، وأودت بحياة أكثر من 139 قتيلا وقرابة 250 جريحا، واتفق قادة دول الاتحاد الاوروبي، على تشديد الإجراءات الامنية، وفرض مراقبة صارمة على الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي، على جميع المسافرين الذين يدخلون منطقة «شينغن» التي تضم 26 دولة أوروبية، في إطار استراتيجية جديدة لمواجهة المخاطر الارهابية، وبطريقة قد تخطو خطوات أكبر من القوانين الوطنية والأوروبية.
وتحدث بيان قادة دول الاتحاد الاوروبي، المجتمعين في بروكسل حديثا، أن من أهم واجباتهم الوطنية والأوروبية، تجاه دولهم ودول الاتحاد الاوروبي، القيام بالمزيد من الإجراءات الرادعة لأعمال الارهاب، بموجب القواعد القانونية، التي تخول الأجهزة الامنية، تكثيف المراقبة على الحدود، وفحص أوراق المسافرين، الذين يدخلون أو يغادرون، منطقة «شينغن» من دون المساس بالاجراءات الجوهرية، التي تسمح للمسافرين، في التمتع بحرية التنقل داخل دول الاتحاد الاوروبي.
وشدد البيان، على موافقة جميع القادة الاوروبيين، في المضي قدما ومن دون أي تحفظات أو تأخير، لوضع مجمل هذه الاجراءات موضع التنفيذ الفعلي، ابتداء من مطلع شهر ديسمبر/ كانون الاول 2015، من أجل الحيلولة دون تسلل الجماعات الارهابية إلى أوروبا، أو الخروج منها للمشاركة في القتال مع الحركات المتطرفة والارهابية في كل من سورية والعراق أو مناطق أخرى.
وفي هذا المجال، بدأت عمليات فحص أوراق المسافرين، في جميع المناطق التي تغطي منطقة «شينغن» للتحقيق في عدم وجود أسمائهم ضمن لوائح العناصر الارهابية المطلوبة، أو الذين يشتبه بارتباطاتهم بقضايا الارهاب.
وفي غضون تنفيذ تلك القوانين والاجراءات، بدأ المعارضون لتلك الخطوات السريعة، ينتقدون بشدة الطريقة الجديدة، التي تقوم بتنفيذها الاجهزة المختصة بمراقبة تحركات المسافرين، إلى مختلف دول الاتحاد الاوروبي، والتعبير عن مخاوفهم، من أن تتجاوز الحكومات الاوروبية، أهدافها من تلك الاجراءات، بالقول انها تنطوي على تهديد حق المحافظة على الخصوصيات الشخصية، وحرية التنقل، المكفولة في القوانين الوطنية وقانون المفوضية الأوروبية. ولكن اصرار الحكومات الاوروبية، على فرض الاجراءات الامنية الصارمة الاخيرة، وتنفيذها على أرض الواقع، يضع أوروبا في مواجهة حقيقية وفعلية، مع عمليات الارهاب الداخلي أو المستورد من الخارج. حيث أن الخوف من عمليات ارهابية مماثلة لعمليات باريس، أصبح الآن أمر يفوق الواقع.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، أعلنت كل من باريس وبروكسل، عن احتفاظهما بأعلى درجات الحيطة والحذر، وحالة التأهب الامني القصوى، لمواجهة أي اعتداءات ارهابية محتملة خلال المرحلة الحالية، فيما صرح وزير الداخلية الالمانية، دي ميزيير، بأن الوضع الامني في ألمانيا، يبدو في الفترة الراهنة خطير جدا، وأن مستوى التهديدات الارهابية يظل يثير القلق، وفي ضوء ذلك بدأت السلطات الأمنية في بعض الولايات الألمانية، بحملات البحث عن الأشخاص، الذي يشتبه بتحركاتهم في نطاق الخلايا الارهابية السرية.
ونتيجة لذلك تعكف جميع دول الاتحاد الاوروبي، على اتخاد كافة التدابير الاحتياطية والاستثنائية اللازمة والضرورية لمواجهة التطورات الأمنية المحتملة، بكل أشكالها المتعددة، وعلى نطاق واسع، وفرض بنود جديدة في بعض أجزاء القوانين الوطنية؛ وذلك من أجل حماية سيادتها الوطنية ومجتمعاتها، من أسوأ الاعتداءات الارهابية، وأكثرها خطرا ونزعة دموية.