عن الشوفينية والعنصرية
في يوم من الأيام، سألتني ابنتي، الذي لم يتجاوز عمرها سوى تسع سنوات فقط، عندما كانت بصحبتي، نشارك في تظاهرة حاشدة، جابت شوارع العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، وذلك بدعوة من حركة مناهضة الشوفينية والعنصرية الدنماركية. ما هي هذه «الشوفينية والعنصرية» الذي يخرج إلى التظاهر ضدها كل هذا الحشد الواسع النطاق من الناس، وترفع فيها الشعارات، وتغلق بسببها منافد الشوارع الحيوية الرئيسية، في قلب العاصمة كوبنهاغن؟
كان ذلك في الفترة، التي اشتدت فيها نزعة الشوفينية والعنصرية، ضد الأجانب «المغتربين واللاجئين» في الدنمارك، بعد توسع نسبة أعدادهم في البلاد بشكل واسع النطاق.
وفي هذا الحال، كان يتعين على حركات السلام في الدنمارك، المناصرة والداعمة لقضايا الشعوب المضطهدة، وبالخصوص منهم المهاجرين واللاجئين، أن تتصدى لمختلف التهديدات الشوفينية والعنصرية، القائمة من قبل الحركات والجماعات المتشددة والعنصرية، تجاه ثقافة الكراهية وقضايا التطرف.
مضيت أشرح لابنتي، بطريقة سلسة ومبسطة، بشأن مصطلح «الشوفينية والعنصرية» ولماذا يخرج الناس للتظاهر بأعداد هائلة، ضد العنصريين والشوفينيين في كل مكان في العالم؟.
الشوفينية والعنصرية، هي في حد ذاتها «شر مطلق» ولذلك يرفضها وينبذها كل إنسان حول العالم يتمتع بوعي حقيقي وثقافة تسامح وتفاهم وتعاون وأخوة ومصير، ويعرف عن الشوفينية، بأنها مصطلح ينسب، إلى اسم أحد الجنود الفرنسيين القدماء الذين عاصروا فترة حكم طاغية فرنسا الأكبر، نابليون بونابرت، ويدعى «نيكولاس شوفان» حيث كان هذا الجندي، شديد التعصب الأعمى «للزعيم نابليون» وقدم نفسه مضحياً ومدافعاً شرساً وقوياً، عن سياسات «قائد الأمة العتيد» في جميع الميادين.
ويمكن أن تطلق هذه الصفة ذاتها، على الأفراد أو الجماعات أو الحركات والتيارات، شديدة التطرف والتعصب الأعمى للقومية والاثنية، التي ترفض التعايش السليم مع الأجناس البشرية الأخرى، التي تشاركها العيش في المجتمع، ومنها بشكل خاص «المهاجرون واللاجئون» التي تصفهم القوى الشوفينية والعنصرية والفاشية والنازية الجديدة، بـ «الاجسام الغريبة والدخيلة على المجتمع» حيث تجد أنهم يحاولون بشكل أو آخر، أن «يسرقوا» قوت المواطن الأصلي أومنافسته في العمل.
ولا يختلف مصطلح التسمية الشوفينية، عن جوهر التسمية العنصرية، فكلاهما يصبان في نفس النبع، وفي نفس الأهداف، التي تتغذى منها أفكار الكراهية والتعصب والحقد. وتعرف العنصرية، بأنها عقدة من عقد الاستعلاء والاستكبار والغرور بالنفس، والتمييز العرقي والاثني والطائفي والعقائدي بين البشر، على أساس اللون أو الثقافة أو التقاليد أو اللغة، وتنتج من خلال كل هذه المفردات، معاملة الفرد أو الأفراد أو الجماعات والشرائح الأخرى المختلفة، بحسب انتماءاتهم العرقية والاثنية، وألوانهم وعاداتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم الفكرية والايديولوجية والدينية.
وتحت كل هذه المصطلحات والتسميات، وتلك الأهداف، التي تشكل حقيقة وجوهر الشوفينية والعنصرية، تصطف وتتحد كافة القوى والأحزاب والتيارات والجماعات، وحتى الأشخاص، في بوتقة الحلقة الواحدة والموحدة، للدفاع بكل قوة وشراسة، عن طابع الشوفينية والعنصرية المقيتة، رغم كافة الانتقادات والاعتراضات والمواجهات الشديدة والعنيفة والصارمة، من قبل الحركات والقوى والجماعات الأخرى، الرافضة والمناهضة لهذا الطابع الشوفيني والعنصري، الذي ظل يتسبب على الدوام، في الكثير من الحروب والصراعات الاثنية والمذهبية، والإقليمية والدولية الدامية، وحرمان الأشخاص من أبسط حقوق المساواة والعدل والانصاف، والتعايش السلمي، وتوفير الفرص الاجتماعية والعمل.
ومع وصول عدة قوى يمينية متطرفة إلى مراكز متقدمة في الانتخابات التشريعية الوطنية وفي البرلمان الأوروبي، وبخاصة فرنسا وهولندا والدنمارك والنمسا، رغم تجاوز هذه القوى لقوانين المفوضية الأوروبية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، أخذت مشاهد الحياة السياسية والاجتماعية، أشكالاً جديدة مختلفة عن المراحل السابقة، التي ظلت فيها العلاقات الودية قائمة مع المهاجرين واللاجئين، والتي تأسست على قاعدة احترام مبادئ «الديمقراطية وحقوق الإنسان» و «التعامل الإنساني والأخلاقي» مع المضطهدين والمسحوقين من مختلف دول العالم، حيث برزت في الآونة الأخيرة، وعلى إثر تلك النتائج، إجراءات خطت بخطوات أكثر صرامة، وعلى نطاق تجاوز في بعض الأحيان القوانين الوطنية العامة، في وجه تنامي موجات الهجرة واللجوء في أوروبا، إجراءات والتي وصفتها حكومات الغرب، «بالمبادرة الشجاعة» لمعالجة قضايا الهجرة المتفاقمة، والأوضاع الاقتصادية المتفجرة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية، وهي ذات الإجراءات التي لامست بعض الممارسات الخاطئة والسلبية لدى غالبية المهاجرين واللاجئين، الذين ظل بعضهم يتحدى علمانية هذه الدول، ويفرض موروثه الاجتماعي التقليدي وهويته الدينية.
إذ إن الانتصارات المتلاحقة، التي توجت بها أحزاب اليمين المتطرفة، سواء على صعيد الانتخابات الوطنية، أو على مستوى البرلمان الأوروبي خلال السنوات الأخيرة، رفع من مستوى النزعة العنصرية والشوفينية، وكافة المحاولات المناهضة للهجرة والخوف من صعود الإسلام في أوروبا، الأمر الذي بدأ يقلق خبراء مفوضية حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، وكذلك اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، حيث لاتزال تلاقي الشعارات العنصرية والشوفينية والنازية، مساندة واضحة وقوية، لدى القوى المتشددة والمتطرفة.
ويرى العديد من المراقبين، بأن أحزاب اليمين المتشددة والمتطرفة، التي تصدر بعضها واجهة الأحداث في أوروبا، سيكون بمقدورها في المستقبل القريب، أن تمتلك أكبر وأقوى قاعدة جماهيرية داعمة ومساندة لمشاريعها الوطنية، على حساب القوى والأحزاب السياسية الأخرى، التي لاتزال تتبنى برامج متعددة تخفف من الأضرار الاجتماعية والاقتصادية تجاه المهاجرين واللاجئين، ومن بين ما يراه هؤلاء المراقبون أن قوى اليمين المتطرف على رغم عدم استطاعتها تحقيق كامل أهدافها المعلنة والوصول إلى السلطة في العديد من الدول الأوروبية بسبب توجهاتها وتطلعاتها الشوفينية والنازية، يمكنها على امتداد السنوات القادمة مضاعفة شعبيتها الواسعة، التي يمكن أن تضرب بها الأرقام القياسية في أية انتخابات محلية أو أوروبية، حيث إن الفجوة بدأت تتزايد بشكل مستمر ما بين الأحزاب التقليدية، وقواعدها وجماهيرها الشعبية، بعد تاريخ من الوعود الطويلة بتحقيق «الأحلام الوردية» المنشودة، سواء على المستوى الوطني أو الأوروبي، والتي أصبحت في ظل الظروف الجديدة ـ بحسب الكثيرين – ليست أكثر من مجرد شعارات رنانة يرددها قادة تلك الأحزاب في مناسبات عديدة، في وقت أخذت فيه بعض هذه القواعد تتجه نحو القوى الصاعدة الجديدة، التي ظلت ترفع شعار الوطنية والقومية الرنانة.