انقسام المجتمع سابقة في تاريخ ألمانيا الموحدة
شكلت أزمة اللاجئين في ألمانيا، والتي بلغت الذروة في الشهور الأخيرة من العام 2015 بعد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين، قدرت بنحو مليون شخص، غالبيتهم من سورية والعراق وأفغانستان، سابقة وتحدياً كبيراً للدولة الألمانية والمجتمع.
ومن المعروف، أن المانيا الاتحادية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت إحدى أبرز الدول الغربية المتميزة باستقبال جحافل المهاجرين واللاجئين من مختلف مناطق الحروب والاضطرابات حول العالم، وكانت تولي اهتماماً بالغاً بكل الأشخاص الذين عانوا من وطأة الاضطهاد السياسي، والعرقي والعقائدي في أوطانهم الأصلية، ووجدوا الملاذ الآمن لهم في ألمانيا، ولكن ما تعانيه البلاد اليوم من تطورات أزمة اللجوء، يبدو أنه يتجه نحو الانقسام الحاد في المجتمع، فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام، التي أجريت حديثاً، أن «ثقافة الترحيب» أو «سياسة الباب المفتوح» التي أطلقت عنانها من القمم المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، تواجه تحديات كبيرة وخطيرة، تمثلت في ارتفاع مستوى الاستياء الشعبي من سياسات الحكومة الألمانية، تجاه مسائل اللجوء والهجرة، وصعود العديد من القوى والأحزاب المتشددة والمتطرفة والنازية الجديدة، إلى الواجهة، مستفيدة من الانقسامات الحادة في الأوساط الحكومية الرسمية وفي المجتمع، التي أصبحت سابقة في تاريخ ألمانيا الموحدة، بسبب الشكوى والمبالغة في ما يمكن أن يلحق البلاد من محن، في ظل استمرار عدم القدرة العملية والفعلية على معالجة أزمة اللاجئين.
وبينما يحاول كبار المسئولين في الحكومة الألمانية، التخفيف من تداعيات تلك الأزمة، بالقول إن ألمانيا يجب أن تفي بوعودها والتزاماتها الوطنية والأوروبية والدولية تجاه قضايا الأشخاص المضطهدين في أوطانهم بسبب الحريات السياسية والحقوقية، أو بسبب الحروب والنزاعات المسلحة والكوارث البيئية. تنتقد قطاعات وشرائح اجتماعية واسعة، سياسة «الأبواب المفتوحة للاجئين» التي تتبعها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكبار القادة البارزين في حزبها، والتي حرصت عدة دول أوروبية على إغلاقها في الفترة الأخيرة، بسبب المشاكل الكثيرة، التي يتسبب بها اللاجئون الجدد، وبسبب التهديدات الصادرة من الجماعات المتطرفة والإرهابية، بجعل أوروبا هدفاً واضحاً من أهدافها العدوانية، وظل يعتقد البعض الآخر من الألمان أن «ألمانيا بالغت كثيراً في قضية الاستقبال العشوائي للاجئين» وأن الوقت قد حان، لأن تكفّ الحكومة عن سن القوانين أو الإجراءات المتساهلة مع الأشخاص، الذين لا تنطبق عليهم شروط اللجوء.
وعلى رغم، أنه لاتزال هناك قوى اجتماعية وأحزاب سياسية ألمانية، مؤيدة وداعمة لقضايا اللجوء والهجرة، فإنه من الواضح، أن نسبة الشعور بالكراهية تجاه الأجانب في كل أنحاء ألمانيا ولاسيما مناطق الولايات الشرقية من البلاد، واضحة بشكل كبير، وهي تحث الخطى، في ظل استمرار الكثير من الممارسات الخاطئة والطائشة، لدى غالبية اللاجئين الجدد، الذين وجدوا أنفسهم يعيشون في بحبوحة أجواء التسامح والضيافة الحقة وبرامج المساعدات الاقتصادية السخية المقدمة لهم.
وبحسب آخر إحصائية رسمية، بشأن الحوادث الأمنية ضد اللاجئين الجدد، فإن هنالك أكثر من 600 اعتداء جنوني، على مجمعات ومراكز إيواء اللاجئين، في عدة ولايات فيدرالية ألمانية، قامت بها عناصر يمينية متشددة ومتطرفة أو من جانب القوى النازية، وذلك من أجل تخويف وترويع وتنغيص حياة اللاجئين وعائلاتهم، أو حثهم على الإسراع بمغادرة ألمانيا إلى جهة الدول الأوروبية المجاورة، أو العودة إلى بلدانهم الأصلية.