ألمانيا تعيش هاجس الخوف من اللاجئين
قبل بضعة أشهر، كانت ألمانيا تتزعم دول الاتحاد الأوروبي، في الدفاع عن قضايا اللجوء والهجرة وحماية الاشخاص الفارين من الحروب والنزاعات المسلحة ومآسي الطبيعة والفقر، وكانت المستشارة أنجيلا ميركل، أبرز القادة الأوروبيين، الذين تصدوا للاعتراضات والانتقادات الواسعة النطاق حول أزمة اللجوء في أوروبا، وأصرت على تحمل كافة الضمانات الضرورية واللازمة لدعم اللاجئين في المانيا، وذلك من منطلقات إنسانية وأخلاقية ودستورية.
واليوم يتساءل عدد كبير من السياسيين والمراقبين، عن الأسباب التي دفعت الحكومة الاتحادية الألمانية، التي تواجه التزامات وطنية وأوروبية ودولية ضخمة تجاه أزمة اللجوء والهجرة، إلى توجيه رسائل مثيرة للاجئين، الذين يستظلون في الوقت الراهن تحت قوانينها الوطنية والتزاماتها الإقليمية والدولية ذات الصلة بقضايا الهجرة، تنغص عليهم حياتهم، التي يفترض أن تكون آمنة في ظل حماية دولة القانون والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحرة الألمانية.
يقول بعض المحللين، على الرغم من رومانسية الألمان وولعهم باستقبال الضيوف في بلادهم، وهذا ما برهنت عليه مواسم الاحتفالات والمهرجانات المميزة، التي احتفت بها غالبية الشعب الألماني، عندما اجتاحت جحافل المهاجرين واللاجئين ألمانيا من بوابات المجر والبلقان، طلباً للمساعدة الإنسانية العاجلة، والحماية من شرور الحروب والاضطهاد والحرمان، التي ظلوا يعانون منها في أوطانهم الأصلية، فإن ما يواجه المجتمع الألماني حالياً، هي هذه الموجة العاتية من اللاجئين، التي أصبحت في الحقيقة، عبئاً كبيراً يرهق كاهل الدولة والمجتمع، وبات الألمان يعيشون اليوم في حيرة من أمرهم، وينتابهم الخوف والقلق والهواجس، لأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع أكثر من 1.1 مليون لاجئ جديد، ويعتقد الخبراء بأن غالبيتهم الساحقة تعاني من الاضطرابات النفسية والعقلية وعدم القدرة على العمل، بسبب الأوضاع العسكرية والأمنية الكارثية والمجاعات والفقر، التي عايشوها في اوطانهم الأصلية، قبل مجيئهم إلى ألمانيا.
وبالطبع، هناك جملة من الأسباب تبرز هذا القلق والتخوف الألماني، لننظر مثلاً في حجم التكاليف الاقتصادية الباهضة الثمن، التي صرفتها ألمانيا على جحافل المهاجرين واللاجئين، التي استقبلتهم، والتكاليف الأخرى التي لاتزال تتطلبها مشاريع إيواء اللاجئين، وتوفير مختلف الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية والاندماج، والتي يتوقع لها الخبراء أن تصل إلى أكثر من 50 مليار يورو بحلول نهاية العام 2017، في وقت تعاني فيه خزينة الدولة الاتحادية الفيدرالية، عجوزات هائلة، بسبب الأزمة المالية العالمية، والمشاكل الاقتصادية، التي تعصف بمنطقة اليورو في الوقت الراهن، وكذلك سلاسل الأخبار السيئة، التي لم تنقطع منذ بلوغ زحف المهاجرين واللاجئين، مختلف الولايات الاتحادية الألمانية، حول العديد من المخالفات والممارسات والاعتداءات والتحرشات الجنسية، التي بلغت ذروتها في ولاية كولونيا خلال موسم الاحتفالات بأعياد رأس السنة الميلادية، وفي 4 فبراير/ شباط 2016 اكتشفت السلطات الأمنية الألمانية، خلية إرهابية من مجموعة أفراد يعتقد أنهم من التابعية الجزائرية يقيمون في مراكز اللجوء في برلين وولاية سكسونيا السفلى، وتأكد أن لهم ارتباطات وثيقة، بتنظيم داعش الإرهابي، وكانوا يخططون لتنفيد هجمات في برلين، الأمر الذي وسع من نطاق الجدل السياسي والاجتماعي المحتدمة أجواؤه في البلاد، وضاعف من نظرة الاستياء والشعور بالكراهية نحو اللاجئين في مختلف المناطق الالمانية، مع تصاعد نسب التأييد الشعبي للقوى والأحزاب اليمينية المتشددة والمتطرفة، التي توسعت أرصدتها، وصعد بعضها إلى الواجهة بعد أزمة اللاجئين.
وإضافة لذلك الكم الهائل من المصروفات، تعتزم ألمانيا إقامة مشاريع تنموية عديدة في البلدان المجاورة لسورية، التي يلجأ لها الفارون من جحيم الحروب، للحد من تدفق اللاجئين على أوروبا، حيث أعلن وزير التنمية الالماني غيرد مولر، خلال زيارته الأخيرة للاردن، عن خطة «مارشال للشرق الاوسط» التي تهدف لحل أزمة اللاجئين السوريين، ووضع خطط لبناء مساكن ومدارس وعيادات صحية ومراكز اجتماعية وفرص عمل مشروعة للاجئين، وكانت وزارة التنمية الألمانية، قد قدمت في السنة الماضية، مساعدات مالية ضخمة لمعالجة الأزمات في سورية والعراق، بنسبة ثلاثة أضعاف، لتصل إلى أكثر من 640 مليون يورو، مما زاد من نغمة الاعتراضات والاحتجاجات الصارمة على «سياسة الأبواب المفتوحة للاجئين» التي أقرتها المستشارة ميركل، خاصة من جانب القوى المناهضة لبرامج إنقاد الاقتصاد الاوروبي، وقضايا اللجوء والهجرة.
وفي 3 فبراير 2016 صادقت الحكومة الفيدرالية الألمانية، على مجموعة اجراءات قانونية جديدة، على قوانين اللجوء والهجرة، تضمنت المراقبة الأمنية المشددة على الحدود، وفرض قيود على جمع الشمل العائلي لفئات معينة من اللاجئين الحاصلين على وضع حماية معينة المعروفة «بالحماية الثانوية»، كما تضمنت هذه الإجراءات المشددة، تصنيف دول المغرب والجزائر وتونس «أوطان منشأ آمنة» وذلك لعدة أسباب منها تسهيل إجراءات ترحيل اللاجئين الوافدين من أراضي هذه الدول، وعدم قبول لاجئين جدد، كما هو الحال بالنسبة إلى اللاجئين من دول البلقان، الذين تم ترحيلهم في فترات سابقة، ورفضت طلبات لجوئهم لاحقاً لتلك الأسباب.
وعلى رغم كافة الانتقادات الشديدة، التي وجهتها المنظمات الحقوقية والإنسانية الوطنية والأوروبية والدولية، إلى الحكومة الألمانية، على الاجراءات الثانونية الجديدة، باعتبارها اجراءات قاسية وغير ملائمة تجاه لاجئين فارين من مناطق الحروب والنزاعات، فإن الحكومة الفيدرالية، بقيت متمسكة بكل قراراتها الأخيرة، ولم تكترث لكل الأصوات، التي تطالبها بتخفيف المعاناة عن اللاجئين. وهذا يعني أن الألمان وجدوا أنفسهم أخيراً مجبرين على مواجهة الفوضى العارمة، التي تسببت بها أزمة اللاجئين.
ولكن يبقى من غير الواضح ما أن تكون هذه الإجراءات المشددة والصارمة، قادرة على حل الازمة، التي قسمت المجتمع الألماني، وأنهكت كاهل اقتصاده الوطني، أو أنها ستكون مجرد خطوة أولية لمعالجة جميع الأوضاع، التي أصبحت اليوم معقدة وتحدث تغيرات مفاجئة داخل المجتمع.