«لماذا يقتل أطفال الشام يا أبي؟»

في إحدى التظاهرات الحاشدة، التي ظلت ولاتزال تنظمها «جمعية الصداقة السورية ـ الدنماركية» وبجانبها حركات السلام الوطنية الأخرى في الدنمارك، من أجل وقف نزيف الحرب الشاملة المدمرة في سورية. سأل طفل بريء والده الدنماركي، الذي كان يحمل راية الدولة السورية الرسمية، وصورة صغيرة ملطخة بالدماء، تشير إلى مقتل طفل قاصر من أطفال سورية الأبرياء وبصورة وحشية صارمة على أيادي الجماعات المتطرفة، «في أي بلد ـ تقع سورية هذه يا أبي، ولماذا تزهق أرواح أطفالها، بهذه الطريقة المجنونة؟».

مجرد صورة ورقية صغيرة، من خارج أسوار الحرب الضروس الكبيرة، ونوافير الدماء المتدفقة من ضحاياها. تركت أثراً بالغاً في نفس ذلك الطفل، ونفوس جميع من كانوا يناشدون المحاربين أن يكفوا عن ممارسة القتل والاقتتال، الذي استمر على امتداد قرابة أربع سنوات ونيف… فماذا لو علم هذا الطفل وغيره من أطفال الدنمارك والعالم، بأن الحرب الطاحنة المدمرة في سورية، هذه «الدولة العربية العريقة، التي ظل يصفها المفكرون والمؤرخون بقلب العروبة النابض» قد أنهكت كيان الدولة وقوى المجتمع، وقضت على عشرات الآلاف من أطفال سورية، إلى جانب مئات الألوف من القتلى والجرحى من الرجال والشباب والنساء، وملايين الأسر المشردة والهائمة على رؤوسها، في مخيمات اللجوء في الداخل، وفي دول الملاذات الآمنة؟ إضافة إلى ما أحدثته حمم الحرب الطاحنة، من خراب ودمار هائل في جميع مفاصل البنية التحتية، والذي يحتاج لترميمه وإعادة بنائه سنوات طويلة للغاية، وأموال طائلة تفوق مستوى الخيال والواقع؟

وكان الرد، على تساؤلات ذلك الطفل القاصر، التي هزت مشاعره مشاهد الأطفال السوريين الأبرياء، التي رويت أجسادهم بالدماء: «إنها الحرب الطاحنة والمدمرة «يا بني» التي اختارها أعداء السلام والديمقراطية والحرية، ممن لهم أفكار وتوجهات وثقافات مخالفة لرأي الآخر» ففي هذا الوقت بالذات، فإن سورية أصبحت نقطة انطلاق لمواجهات ضارية بين أنداد أقوياء، يتصارعون على تفتيت واقتسام الكعكة السورية. وبعض المراقبين في الشأن السوري، يرون أن بعض الدول والقوى الإقليمية والدولية ربما قررت أنها لا ترغب في بقاء سورية أن تعيش في بحبوحة الأمن والسلام والاستقرار، التي كانت قد تمتعت به طوال عدة عقود مضت من الزمن. أما الدولة السورية، فبدورها تواجه حركات متطرفة وإرهابية، تريد أن تفرض توجهاتها ومعتقداتها على أرض الواقع باستخدام القوة العسكرية، وليس بواسطة الحلول السلمية، التي تطالب بها الحكومة السورية، ومعها كافة القوى الدولية الداعية للسلام والوئام والاستقرار، ليس فقط في سورية وحدها، بل أيضاً مختلف دول ومناطق العالم، التي تواجه الحروب والنزاعات المسلحة والاضطرابات.

وحتى الآن، لا يعلم أحد كيف ستصبح عليه الأمور في سورية في المستقبل القريب والبعيد، بعد أن توسعت رقعة الحرب وتمددت جوانبها إلى تخوم بعيدة، وشهدت رحى معاركها الفاصلة، تدخلات عسكرية مباشرة وغير مباشرة من قوى متعددة، إقليمية وقارية ودولية، ولكن السوريين سوف يطول بحثهم للعثور على حلول ضرورية وملحة، تنقذ بلادهم من المأزق الخطير، الذي تتخبط فيه، حتى لو كان الأمر، يستدعي تقديم بعض التنازلات والتسويات السياسية بين أطراف الصراع في البلاد، فإنه ليس هناك أفضل من المكاشفة والمصارحة والتفاهم على طاولة حوار وطني مسئول، يقود إلى إخراج سورية، التي تعبت من مشاهد الموت والدمار العظيم، الذي زلزل كل أركانها، من أتون محنة الحرب القاسية والدامية، وإحلال السلام والوئام والاستقرار، محل الصراع والدمار والاقتتال.

Loading