الصحافة… بين المهنية المثالية والرصاص المميت
عانى المراسلون والمذيعون والمصورون وكتاب المقالات والأعمدة ورسامو صور الكاريكاتير في مختلف أنحاء العالم، ولعقود طويلة من الزمن، من انتهاكات صارخة، تكون دائماً خارج نطاق القوانين الوطنية والدولية، ومن اعتداءات وهجمات دموية، أودت بحياة الكثيرين، منهم على أيادي المجموعات المسلحة والارهابيين، في غياب القوانين والاجراءات العادلة والرادعة لمرتكبي كل هذه الانتهاكات الكارثية والمحرمة دوليا.
وكانت الانجازات المهنية الكبيرة والمميزة لكل الصحافيين المثاليين المناضلين بشجاعة ضد المنحرفين والمتطرفين والارهابيين وأصحاب النفوذ والمصالح، سبباً واقعاً لتعرض حياتهم لمختلف أشكال العنف الجسدي أو المعنوي أو حملات الاعتقال التعسفي وإدخال السجن، أو القتل غير المبرر من أصحاب الضمائر الميتة والقتلة والارهابيين.
وبحسب التقرير السنوي الأخير الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» في (29 ديسمبر/ كانون الأول 2015) والتي وثقت فيه حوادث كثيرة بلغت درجة عالية من الحدة والصرامة، ضد أعداد هائلة من المشتغلين في مهنة الصحافة، وخاصة في المناطق التي تسود ساحاتها الحروب والاضطرابات، فإن هنالك أكثر من 115 صحافيًّا لقوا مصرعهم خلال العام 2015 أثناء القيام بنشاطهم الصحافي وأعمالهم المهنية، في زمن الصراع وأوقات السلم، معظمهم في سورية والعراق وأفغانستان، وكذلك فرنسا بعد الهجمة الارهابية الدموية على مقر صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية الساخرة، وهو ما يعني انتهاكا صارخا لقدسية المهنة الصحافية وجوهرها، التي تظل تسعى دائما وأبدا، وبصورة شجاعة لمطاردة جميع الأخبار والمعلومات وفضح المغالطات والافتراءات والانتهاكات الصارخة، التي تنتهك خصوصيات الناس في مجرى الحياة العامة أو الخاصة، عبر انتقادها بشكل منطقي وصريح، وعبر إظهار عيوبها.
وعزت المنظمة، تلك الأوضاع المؤسفة والمؤلمة، إلى تنامي مظاهر العنف المتعمد ضد الصحافيين بوتائر سريعة، وألقت باللوم على بعض الحكومات، التي فشلت مبادراتها في اتخاد التدابيرالضرورية واللازمة لحماية الصحافيين والإعلاميين، وطالبت في الوقت ذاته باتخاد خطوات عاجلة ترقى إلى مستوى الأوضاع الطارئة، التي تسود مختلف مناطق الصراع والاضطرابات.
وقال الأمين العام للمنظمة، كريستوف ديلورات، إن الوقت قد حان، لوضع آلية عمل دولي مشترك لتطبيق القوانين الدولية على أرض الواقع، بخصوص حماية الصحافيين من الاضطهاد وعمليات القتل المتعمدة والعشوائية، ودعا الأمم المتحدة، إلى ضرورة تعيين ممثل خاص بشأن مسألة حماية الصحافيين بصورة عاجلة وملحة.
يذكر، أن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قد تحدث في تقريره الأخير، في (6 أغسطس/آب 2015) بشأن سلامة الصحافيين ومسائل الإفلات من العقاب، قائلاً: إننا «نشعر بقلق بالغ إزاء الإفلات شبه المطلق من المحاسبة والعقاب عن هذه الجرائم الكارثية».
وفي هذا التقرير وضعت منطمة «مراسلون بلا حدود» سورية والعراق، على قائمة الدول التي فشلت برامجها في حماية الصحافيين، من مخاطر الهجمات الإرهابية واسعة النطاق التي تستهدف حياتهم، داعية جميع دول العالم، التي تنتهك فيها مهنة الصحافة، إلى تبني سياسات واضحة وجريئة، تساعد الصحافيين على الشعور بالأمان والاطمئنان أثناء ممارسة مهماتهم الصحافية.