هل تتخلى ألمانيا عن حماية أوضاع المهاجرين؟
ظلت الدبلوماسية الألمانية، نحو تفهم المشاكل والمآسي الصعبة للآخرين، منذ عدة عقود وبخاصة بعد حقبة الحرب العالمية الثانية، وخلال سنوات الحرب الباردة، قائمة على فكرة حماية الأشخاص الفارِّين من جحيم الحروب، والنزاعات المسلحة، والكوارث البيئية، والمعارضات السياسية حول العالم، والتي قدمت خلالها الحكومات الألمانية المتعاقبة الكثير من الاهتمام والرعاية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها لجميع الأشخاص المتضررين من تلك الأحداث، مستفيذة من متانة وضعها الاقتصادي ونظامها الديمقراطي النموذجي، ودولة الرفاهية، التي كانت بالفعل منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة الراهنة، محط حسد الآخرين.
واليوم وبعد توسع الأضرار البالغة والخطيرة، التي لحقت بأبرز مرتكزات الدولة الألمانية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، من جراء الاعتماد على سياسة «الأبواب المفتوحة» التي شرعتها على مصراعيها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال الشهور الأخيرة من العام 2015 على ما يبدو في مهمة طارئة وسريعة لإنقاد هنغاريا والبلقان وأوروبا أيضاً، من أكبر وأخطر أزمة مهاجرين عرفتها القارة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تم بموجبها استقبال قرابة 1.1 مليون لاجئ غالبيتهم من السوريين والعراقيين والأفغان، وتسببت في انقسام المجتمع الألماني، بين مؤيد ومعارض ومتحفظ جدّاً، على سياسات إغراق البلاد باللاجئين.
وعلى ما يبدو فإن الأوضاع الصعبة، التي عانت منها ألمانيا بسبب الموجات العاتية من المهاجرين واللاجئين، والتي أصبحت في حد ذاتها جزءاً من معضلة سياسية واقتصادية واجتماعية في ألمانيا، دفعت بقدر هائل من تشاؤم غالبية الألمان بشأن مستقبل الانسجام الحقيقي والطبيعي مع اللاجئين، وبناءً على نتائج بعض استطلاعات الرأي، التي ظلت تستشعر المزاج الشعبي العام، فإن الغالبية الشعبية الساحقة، عبرت عن تشاؤمها ورفضها لسياسة «الأبواب المفتوحة» التي تأخذ في المغالاة، والقاضية بأن تظل تستقبل البلاد موجات أخرى جديدة من بقايا اللاجئين في تركيا والبلقان وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
وما زاد الطين بلة، أن الألمان وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة هذه السياسة المفتوحة، بعد تداعيات الصدمة الأخلاقية المؤثرة، التي عايشوها في أعقاب التحرشات والاعتداءات الجنسية على الفتيات الألمانيات في كولونيا وهامبورغ، عشية الاحتفالات بأعياد رأس السنة الميلادية للعام 2016 والتي خلفت وراءها نقمة عارمة في أوساط المجتمع الألماني، وبخاصة من جانب القوى والأحزاب السياسية المناهضة لقضايا الهجرة واللجوء في ألمانيا، ولكن يبقى من غير الواضح ما إن كانت الخطوات الإصلاحية في السياسات الحكومية الأخيرة تجاه الهجرة، قادرة على إعادة ألمانيا لمسارها الطبيعي والواقعي، الذي قسمه صراع أزمة اللاجئين، أو إن كانت لدى القوى الأخرى المعارضة لتلك السياسات، القدرة على محاولات تبديد القلق والمخاوف من «بعبع اللجوء والهجرة» ولكن ما يصيب غالبية أعضاء المجتمع الألماني، من هواجس ومخاوف عديدة، من جراء ذلك الوضع الصعب، يوحي بأن الآثار العامة، التي ستتركها أزمة اللجوء في ألمانيا لا تنبئ بخير، حيث إن كثرة أعداد اللاجئين وتنوع أصولهم العرقية، وبعض سلوكياتهم السلبية، لم تشجع ـ بحسب ـ الكثير من المراقبين والسياسيين الألمان، على ضمانات انسجامهم الحقيقي والواقعي داخل المجتمع، وهو ما يعني أن تواجدهم بتلك الأعداد الهائلة سيضر أولاً بمصادر الاقتصاد الألماني، وثانياً بمضاعفة نسبة البطالة في المجتمع، حيث عادة ما تكون الغالبية الساحقة من المهاجرين واللاجئين، من أصحاب المهن والوظائف التقليدية العادية وغير المنتجة، بسبب أوضاعهم التعليمية المحدودة، وكذلك ما هو معروف عن معاناتهم الصحية والنفسية، من جراء عوامل الحروب والاضطهاد والمسائل الاقتصادية والبيئية.
وتلتقي آراء عدة في أوساط المجتمع الألماني، على أن تواجد اللاجئين والمهاجرين في ألمانيا، كان دائماً أكثر عدداً في أوروبا، وقد بلغ مستوى الذروة في الوقت الراهن، وعليه يتوجب على ألمانيا، التي يقع على كاهلها اليوم العبء الأكبر في أزمة اللجوء في أوروبا، أن تتصرف بحكمة وتتبنى قوانين وبرامج جديدة في ما يخص قضايا اللجوء والهجرة، والتي يمكن أن تخفف من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية، المتراكمة على مستوى مؤسسات الدولة والمجتمع، قبل وصول تداعياتها الواقعية والصعبة، إلى مراحل كارثية.
وفي مقابل تلك الآراء، صرح وزير الداخلية الألمانية، توماس دي ميزير، للصحافيين في 8 أبريل/ نيسان 2016 بأن «نسبة أعداد اللاجئين القادمين إلى ألمانيا قد تراجعت إلى مستوى الثلث، منذ الإعلان الأوروبي عن إغلاق الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي»، وأن «قدرة ألمانيا على استقبال اللاجئين في العام 2016 أصبحت كبيرة» وأضاف الوزير: «كلما كنا أكثر ثقة في حريتنا وإرثنا الوطني، كلما أصبح لدينا واسع القدرة على التسامح والسماح في حدوث الاندماج الحقيقي والجوهري في المجتمع».