«حزب البديل العنصري» يغير قواعد اللعبة الانتخابية الألمانية
لم تمضِ سوى بضعة شهور فقط على استقبال ألمانيا أكثر من مليون مهاجر ولاجئ، من مختلف مناطق العالم، حتى تعرضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى الكثير من الاعتراضات والانتقادات القاسية، لسياسة «الأبواب المفتوحة» التي انتهجتها حيال قضايا المهاجرين واللاجئين، والتي أنهكت بها أخيراً كاهل الاقتصاد الألماني، إضافة إلى المزاجات السيئة، التي أخذت تنتاب غالبية المواطنين في ظل انقسام الشارع الألماني بين المعارضين والداعمين للخطوات الحكومية القاضية بأن تظل أبواب البلاد مشرعة على مصراعيها لاستقبال المزيد من المهاجرين واللاجئين الفارِّين من ساحات الحرب والنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والفقر، والقوى الأخرى المعارضة لها.
الأمر الذي تسبب في هبوط مؤشر الثقة لدى المواطنين الألمان، تجاه السياسات الحكومية التي يقودها حزب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل «المسيحي الديمقراطي» وشريكه في الائتلاف الحاكم «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» وتحول فئات وشرائح واسعة من هؤلاء المواطنين، إلى تأييد أحزاب أخرى بديلة، تقوم رسالتها الانتخابية على مبدأ القومية الوطنية، ودغدغة عواطف ومشاعر المواطنين بالبرامج الاقتصادية والتنموية والخدماتية المميزة والسريعة، ففي الانتخابات البلدية، التي جرت حديثاً في المقاطعات الاتحادية الألمانية، استغل «حزب البديل من أجل ألمانيا» العنصري، المناهض لإنقاذ اليورو وقضايا المهاجرين واللاجئين، حالة الامتعاض الشديد، لدى المواطن الألماني بشأن «سياسة الأبواب المفتوحة للاجئين» وقفز إلى الواجهة، بعد أن استطاع أن يغير موازين القوى، ويسحب البساط من تحت أقدام الائتلاف الحاكم في ألمانيا، في الانتخابات البلدية العامة التي جرت في ولاية هيسن الفقيرة في شرق البلاد، حيث فاز بنسبة تفوق 3 في المئة من أصوات المقترعين، وقد عزا بعض المراقبين للشأن الانتخابي الألماني، نجاح هذا الحزب الصغير، الذي تأسس في العام 2013 كحركة احتجاجية، ضد سياسة الحكومة الألمانية للدفاع عن «اليورو» العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي، حتى أصبح ـ بحسب بعض مراكز قياسات الرأي – ثالث قوة سياسية في البلاد، وعلى أساس تلك النجاحات، يقول المراقبون إن حقائق هذا التقدم عززت بشدة مخاوف الناس، وبخاصة أولئك الذين ينشدون السلام والوئام والاستقرار في عموم البلاد، بعد أن تمكن الحزب من اختراق هيمنة الأحزاب الكبيرة التي فرضت نفسها، وبصماتها القوية والتاريخية على المقاطعات الثلاث التي أجريت فيها الانتخابات البرلمانية المحلية الأخيرة في 13 مارس/ آذار 2016 وبخاصة الحزب الديمقراطي المسيحي التي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، حيث تعرض الحزب ولأول مرة في معقله التاريخي في «بادن ـ فورتمبرغ» وكذلك «زينانيا بالاتينات» غرب البلاد، إلى هزيمة واضحة على يد «حزب البديل من أجل ألمانيا» العنصري على خلفية أزمة اللاجئين، وصار باستطاعة هذا الحزب، أن يفرض على حزب ميركل تغيير سياسته نحو الهجرة، وأن يلعب في المستقبل ـ بحسب زعيمة الحزب فراوكة بيتري-، دور المعارضة التي لم تكن موجودة في البرلمان
وعزت فراوكة بيتري، نجاحات حزبها «الباهرة» وغير المسبوقة، في الانتخابات البرلمانية المحلية الأخيرة، والذي بلغ بعضها أكثر 20 في المئة من الأصوات، إلى أن الناخبين الالمان تحولوا بقدر كبير عن الأحزاب الشعبية الكبيرة، وصاروا يتوقون لوجود قوى جديدة معارضة لم يكن لها وجود يذكر في البرلمان.
وزيادة على ذلك، يسعى زعماء الحزب، في الوقت الراهن إلى كسب المزيد من القواعد الشعبية، المتذمرة من قضايا اللجوء والهجرة، من خلال التركيز على معاداة المسلمين، في جوانب بارزة من البرنامج السياسي للحزب، حيث كشفت معلومات حصلت عليها مجلة «دير شبيغل» واسعة الانتشار في ألمانيا، أن نائبة رئيسة الحزب، بياتريكس فون، قالت صراحة، بأن الإسلام هو الموضوع الأكثر إثارة في البرنامج الجديد لـ «حزب البديل من أجل ألمانيا»، والذي يشير إلى رفض بناء مآذن لمساجد وجوامع المسلمين في ألمانيا ورفع الآذان الذي يعتبر كرمز لهيمنة شعار العقيدة الإسلامية.
ولكن على رغم التوقعات كافة، التي تشير إلى تخطي هذا الحزب بعض الأحزاب الألمانية الصغيرة مثل «حزب الخضر» و «حزب اليسار» و «الحزب الليبرالي الحر»، في الصراع الانتخابي في مناطق عديدة، ولاسيما في مقاطعات البلاد الشرقية، إلا أنهم يستبعدون أن ينجح في إزاحة الائتلاف الحاكم عن سدة الحكم، ولكن المراقبين يشيرون إلى أن في استطاعة الحزب تكثيف الضغوط على الائتلاف الحاكم من أجل تعديل مسارات توجهاته الحالية، وانتهاج سياسة لجوء متشددة، وكذلك عرقلة بعض مشاريع القوانين والاجراءات عند بلوغها مجلس المقاطعات الفيدرالية الألمانية، وهو ما قد يجبر في المستقبل القريب، جميع الأحزاب الكبيرة والتاريخية على تغيير بعض استراتيجياتها وبرامجها السياسية التقليدية، وخاصة في ما يتعلق بقضايا الهجرة واللجوء في ألمانيا، وكذلك بشأن أوضاع الاتحاد الأوروبي، التي تتصدر ألمانيا واجهة الدفاع عنها على الكثير من المستويات المهمة، ولاسيما المستويين الاقتصادي والأمني.