عليها الآن أن تتحمل، أو أن تسكت ” حرية التعبير تنتصر لثلاثة سياسيين في البرلمان الدنماركي، في المحكمة الدنماركية العليا
العشق الضائع: كان ناصر خضر، عضو البرلمان الدنماركي، عن حزب الشعب المحافظ العريق ( المحافظين) الذي ظل يبسط ظله على حكم الدنمارك، على امتداد عدة عقود مضت، قبل أن تطيح به فضيحة لم شمل اسر اللاجئين التاميل من سريلانكا، في العام 1993 ، وتدفع به إلى درك الهاوية في السنوات الاخيرة، والإمامة في مسجد مريم في الدنمارك، شيرين خانكان، يتبادلان مشاعر الحب والغرام الشديد، إلى حد كبير بلغت به ذروة التعبير عن رغبة الطرفين بإعلان مشروع الزواج بينهم.ولكنهما بعد فترة طويلة من المشاحنات والمصادمات الشخصية التشهيرية، التي انهت جذور تلك العلاقة الشديدة، خاضوا معا خلال الفترة الأخيرة، معركة شرسة أمام المحكمة الابتدائية الدنماركية العليا في كوبنهاحن، وذلك عندما تقدمت الإمامة شيرين خانكان، برفع دعوى قضائية، ضد ثلاثة سياسيين دنماركيين في البرلمان الدنماركي، في مقدمتهم ناصر خضر، حملت طابعا دينيا، وقضايا قذف وتشهير، عبر المراسلات البريدية الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
عشق قديم:
أثارت قضية العلاقة الشخصية الحميمية بين ناصر خضر، السياسي الراديكالي، وشيرين خانكان، المرأة الدنماركية المتاسلمة حديثا، جدلا واسعا في اوساط العديد من السياسيين الدنماركيين، والاسلاميين في الدنمارك، بسبب كل ما كان يتعلق بالمسائل الخاصة بين الشخصين، في ما سبق، ولكن هذه القضية حظيت باهتمام مضاعف، عندما اشتدت حمى الفراق الأصيل، وتطورت الأمور إلى تبادل الاتهامات والشائعات والشائعات المضادة بين الطرفين، على المستويين الشخصي، والعقائدي، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 كتب ناصر خضر، عبر بريده الإلكتروني، عدة رسائل إلى شيرين خانكان، قيل إن بعضها كانت شديدة اللهجة والتهكم، ومن بينها نعت، شيرين خانكان بالتطرف الإسلامي، والدعوة لاقرار عقوبة الجلد للزنا، وشرعنة قانون الشريعة الإسلامية في الدنمارك، وتسلم مبالغ مالية كبيرة من المتبرعين الاسلاميين لدعم تطلعاتها وتوجهاتها المتشددة الإسلامية، وتطوير مشروع مسجد مريم، التي بادرت بتشييد معالمه، في العاصمة كوبنهاجن، وتؤم فيه الصلاة الجماعية للنساء المسلمات في البلاد، وصلت بحسب بعض المصادر إلى أكثر من 680.000 كرونة دنماركية، وكان ناصر خضر، وكذلك زملائه السياسيين الاثنين في البرلمان الدنماركي، ماركوس كنوث، من حزب الشعب المحافظ، و مارتن هنريكسن، من حزب الشعب الدنماركي، يعترضون على هذا المسلك، ويطلبون بأن تذهب جميع أموال تلك التبرعات، إلى خزائن المنظمة الوطنية الدنماركية الخيرية ( Lokk )، ومراكز الازمات النسائية في الدنمارك، بدلا من منحها للإمامة شيرين خانكان، التي _ بحسب رؤوية، ناصر خضر، وزميليه الاخرين _ شخصية جدلية، ولديها تاريخ أسود إسلامي، وتحث على نشر أفكار الكراهية ضد الآخر، من منطلقات قانون الشريعة الإسلامية، الذي يتعارض مع الحريات الديمقراطية العامة المكرسة في نصوص وبنود الدستور الدنماركي، وجميع القوانين المعمول بها في البلاد، ومن بين هذه الرسائل المثيرة ايضا، بحسب المصادر، رسالة خطيرة ارسلها ناصر خضر، إلى شيرين خانكان، يبلغها فيها ان في حوزته هناك صورة نموذجية ” مخلة” لها أرسلتها له في العام 1999 وان بامكانه نشرها إلى العلن، إذا ما توقفت عن نشر الأكاذيب ضده، ودفع هذا الأمر إلى قيام شيرين خانكان، برفع شكوى قضائية ضد ناصر خضر، بدعوى الابتزاز، ومع ذلك توقف التحقيق حول تلك القضية، في آذار/ مارس 2019 ولم يصدر بعد ذلك اي قرار خاص بشانها.
القرار النهائي للمحكمة الدنماركية العليا في كوبنهاجن:
وبعد جلسات سابقة عقدتها المحكمة الوطنية الدنماركية العليا، بخصوص الدعوة القضائية التي تقدمت بها الإمامة شيرين خانكان، ضد ناصر خضر، وماركوس نوث، ومارتن هنريكسن، في العام 2017 بشأن قضية التشهير الممنهح ضدها، عبر البريد الإلكتروني، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، برأت هذه المحكمة في 23 حزيران / يونيو 2020 ساحة السياسيين الثلاثة في البرلمان، من الدعوى المرفوعة ضدهم، على خلفية هذه القضية، ورات بانهم أشخاص يتمتعون بالحماية الدستورية، كنواب في البرلمان الدنماركي، بموجب (المادة 57) من الدستور الدنماركي، وبالتالي لايمكن ملاحقتهم أو معاقبتهم، وقد أكدت المحكمة، بأن جميع التصريحات، التي صدرت عن المتهمين الثلاثة في هذه القضية، صدرت كجزء من نقاشات عامة حول قضايا ذات أهمية مجتمعية، وبعلم من البرلمان، وأضافت المحكمة، إنه يجب اعطاء أهمية في هذا الأمر، حيث أن شيرين خانكان، إلى جانب كونها إمامة مسجد ومرشدة دينية، فهي أيضا كانت مشاركة بشكل متسع، في النقاش العام حول تلك القضية، ولذلك يتوجب عليها ان تتحمل كل ما كان يدور حول هذا النقاش.
إنتصار حرية التعبير في مجتمع ديمقراطي:
من جانبها قالت، المحامية هايدي هوجمارك، محامية النائب البرلماني، ناصر خضر: ” أن قرار المحكمة الوطنية العليا، بتبراة موكلها وزملائه في القضية، هو بمثابة إنتصار كبير لواحدة من أهم الحقوق الأساسية المشروعة للديمقراطية والحريات في الدنمارك، وهو أمر يتعلق بواجب جميع السياسيين والبرلمانيين في الدنمارك، أن يعبروا عن كل ارائهم بوضوح”. وأضافت: ” وأنه بالإضافة إلى الرسالة شديدة اللهجة، التي أرسلتها شيرين خانكان، في البريد الإلكتروني الخاص بموكلها في البرلمان، اثيرت هناك موجة عارمة من التشهير بناصر خضر، على ملفه الشخصي في ” الفيس بوك” وكان الأمر مزعجا بشكل كبير.
رجل واثق من نفسه:
وقال ناصر خضر، قبيل إصدار قرار الحكم من المحكمة: ” أنه رجل واثق من نفسه، وأنها سوف تتم تبراة ساحته من هذه التهمة، حتى من دون أن تكون له، اية حصانة برلمانية، لأنه يظل متمسكا ومؤمنا دائما وابدا بحرية التعبير والديمقراطية الواسعة النطاق، التي وفرها وضمنها الدستور الدنماركي للشعب على مر التاريخ، وقال أمام المحكمة: ” انه لا يندم ابدا على أي شيء قاله بخصوص شيرين خانكان، حول تعصبها العقائدي، وتاريخها الأسود الإسلامي “.
خبر غير سار:
ومن جانبها، استقبلت الإمامة شيرين خانكان، القرار النهائي للمحكمة الوطنية العليا، بخيبة أمل، وتوعدت باستئناف الدعوى القضائية مرة أخرى أمام أعلى محكمة دنماركية، ولكن هذه المرة، فقط ضد ناصر خضر، رجل المواجهة الأول، واسقاط الدعوى، ضد زميليه الإثنين، التي برأت ساحتهما المحكمة، والتي اعتبرتهم شيرين خانكان، كانا بمثابة أدوات طيعة، استخدمهم، ناصر خضر، لتحريك مشروعه التحريضي في غمار تلك القضية، وقالت: ” انها ستواصل الكفاح في هذا الشأن، حتى تحصل على النهاية المرضية والموجبة، وانها ستظل متمسكة بكونها امراة مسلمة، ومرشدة روحية بشكل خاص على أركان الشريعة الإسلامية الخمسة، والتي هي تعتبر بمثابة أداة ديناميكية، يمكن التوفيق بينها، وبين المجتمعات الديمقراطية في أوروبا” إلى جانب توافقها مع قانون الحريات العامة، التي كفلها الدستور الدنماركي، وجميع المعاهدات الدولية.
هاني الريس
26 حزيران / يونيو 2020