جلسة ساخنة في أجواء كوبنهاجن الباردة مع برلمانيين بحرينيين .. تجاهلوا حقوق الشعب وتفاخروا بانجازات السلطة القمعية
زار العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، في الفترة ما بين 6 -10 تشرين الأول/ أكتوبر 2009، وفد مختلط من مجلسي الشورى والنواب في البحرين، برئاسة رئيس لجنة الشئون الخارجية والامن الوطني بمجلس الشورى عبدالرحمن محمد سيف جمشير .
كانت الزيارة تتضمن عدة إجتماعات عمل مع كبار المسئولين في الحكومة الدنماركية، وأعضاء البرلمان الدنماركي، وذلك من أجل تطوير العلاقات البرلمانية بين البلدين، وسبل تعزيزها والاطلاع على آخر التطورات في المجال التشريعي لدى مملكة الدنمارك وخاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني، بالإضافة إلى بحث أهم القضايا موضع الاهتمام المشترك على الساحتين الإقليمية والدولية .
ضم الوفد في عضويته، نواب البرلمان، عادل عبدالرحمن المعاودة، وعبد الحسين أحمد كاظم المتغوي، وعبدالرحمن بو مجيد. وأعضاء مجلس الشورى، عبدالرحمن محمد سيف جمشير، وأحمد ابراهيم محمود بهزاد، والدكتورة ندى عباس حفاظ، بالاضافة إلى سلمان مرزوق عبدالله (أخصائي شؤون الاعضاء في مجلس الشورى) وهيفاء جمعة عدوان (محررة اعلامية في مجلس النواب البحريني) .
التقيت بأعضاء الوفد، في مكان يعرف بمنطقة (نورث هاون) وهي احدى المناطق السياحية الراقية في كوبنهاجن المطلة على ساحل البحر. وكان الوفد حينها يتناول وجبة العشاء في أحد مطاعم المنطقة، ودار بيننا حوار ساخن، تناول مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية على الساحة البحرينية، في ظل غياب الديمقراطية وحقوق الانسان. كان أعضاء الوفد يدافعون بشراسة عن ما كانوا يصفونها ب (سياسات القيادة الحكيمة) ويقولون أن البلاد أصبحت تعيش في بحبوحة أقتصادية وسلام وأمن واستقرار لامثيل له بعد السنوات التي أعقبت قمع انتفاضة الحركة الدستورية التي تفجرت شرارتها الاولى في أوائل تسعينيات القرن الماضي.
كنت قد أختلفت مع تصوراتهم وتشخيصاتهم المبالغ فيها للاوضاع الجديدة التي شهدتها البلاد بعد تلك الفترة، والتي سادت فيها ممارسة البطش بقوة وصرامة، وقلت لهم أن غالبية المجتمع البحريني، ظلت تعيش منذ عدة عقود مضت، تحت وطأة القمع والاستبداد وتكميم الافواه، ولم يتغير في الامر شيئا، حتى في زمن ما سمي ب (عهد الاصلاح الميمون والمكرمات السامية السخية) الذي دشنه حاكم البحرين الجديد حمد بن عيسى آل خليفة، بكذبة كبيرة للاسف انطلت على غالبية المجتمع، لم يكن هناك ما يثلج الصدر ويهدء من روع النفوس التي عانت من الاضطهاد كثيرا.
وأضفت: أنه مالم تكن هناك عدالة اجتماعية وحلول موجبة وجذرية لدوامة الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية، التي تسببت بها السلطة وتظل تعصف بالمجتمع، فلن يكون هناك تعايش مجتمعي وأمن واستقرار) وأن الحل الوحيد الممكن لنهاية كل هذه الازمات الكبيرة، ونهاية عصر الدولة البوليسية في البحرين، يكمن في تخلي السلطة البحرينية عن ممارسة نهج الماضي القمعي، وقبول الشراكة الحقيقية مع المجتمع، واقامة نظام برلماني دستوري حقيقي وفعلي على غرار الانظمة البرلمانية الدستورية المتقدمة في العالم.
ورأيت بأن السلطة البحرينية، ظلت تحاول دائما وأبدا أن تلعب على الحبال الطائفية والمذهبية، وتحاول تمزيق تماسك ووحدة الجبهة الوطنية، وذلك من أجل أن تكون هي وحدها فقط صاحبة القرار الاول والاخير في تسيير شؤون وحياة البلاد، ولم تحاول في يوم من الأيام أن ترسم صورة الطريق الصحيح المطلوب نحو تحقيق الاهداف الوطنية الكبيرة، التي رسمتها مختلف قوى التحرر الوطني في الماضي ومازالت هي المطلب الوطني العام.
وفي الواقع أن الأمور ساءت بالنسبة إلى عموم المواطنين البحرينيين، وحتى أن من ظلوا يصفقوا ويهللوا لما سمي ب “مشروع الاصلاح” وتحويل دولة المراقبة الأمنية إلى مملكة، رأؤوا بأن خطط وبرامج السلطة البحرينية نحو التغيير، لا تسير على النحو المطلوب، بل وقد أصبحت مدعاة للشكوك وأحيانا إلى السخرية، وبدى أن ما سمي ب “مشروع الاصلاح” برمته، قد تلقى أولى رصاصات الموت، عندما قرر الحكم الانقلاب على دستور البحرين التعاقدي للعام 1973 واستبدله بدستور المنحة الجديد الذي لم يستشار به الشعب، ومن بعده الانقلاب على النصوص والبنود الحيوية من ميثاق العمل الوطني ومخرجاته الأصيلة.
وأن الهجمة الامنية الشرسة، التي شهدتها البلاد في فترة الاحتفالات بعيد الشهداء في العام 2008 هو دليل قاطع على عدم استتباب الأمن والاستقرار والتضييق على حياة الناس المعيشية اليومية، وأن حديثكم عن (واحة الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين) التي ازدهرت في “عهد الاصلاح” شيء يثير الدهشة والاستغراب، في نفوس الناس وبخاصة أهالي الشهداء الذين سقطوا في ساحات التظاهرات الاحتجاجية المطلبية السلمية، بعد استخدام قوات الامن القوة المفرطة وشن حملات الاعتقال التعسفي والملاحقات الخارجة عن اطار القانون.
وأنه بعد قمع تلك التظاهرات الكبيرة بكل صرامة وعناد، واختلاق (مسرحية الحجيرة) التي اتهمت فيها السلطة البحرينية، عدد من المواطنين البحرينيين، بتلقي تدريبات عسكرية في سوريا من أجل القيام بأعمال تخريبية في البلاد، وشن ضدهم حملات الاعتقالات التعسفي خارج اطار القانون، عقدت مسارات الامور في البحرين، وعكرت كل أجواء الامن والاستقرار الذي تتفاخرون به الآن. لم يتجرأ أحدا من أعضاء الوفد، أن يقول (بأن هذا الكلام هو غير واقعي وغير محق) بقدر ما انهم سكتوا وقد تجاهلوه بشدة، ولكنهم في نفس الوقت أصروا على دعمهم واعتزازهم وإفتخارهم بسياسات السلطة وجميع (الاصلاحات) التي أدت حسب زعمهم إلى مزيد من الانفتاح السياسي والاقتصادي على المجتمع.
لقد امتدح أعضاء الوفد (مشروع الاصلاح) الذي أثير حوله جدل واسع النطاق بين أوساط المجتمع البحريني، واثنو عليه وأعتبروه بمثابة مثالا يحتدى على مستوى الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين، وهذا الامر يكشف ربما عن حقيقة خوف أعضاء الوفد من التحدث بكل أريحية وصراحة في مواضيع دقيقة وحساسة في هذا الشأن، والتي ربما قد تسبب لهم الكثير من الاحراجات أمام بعضهم البعض، وكذلك السلطة البحرينية، التي تظل تترصد كل شارة وواردة في حياة المواطن البحريني، والتي هي قد أوفدتهم وقدمت لهم الدعم المادي والمعنوي لانجاح تلك الزيارة، على الرغم من انهم زعموا بأن الزيارة كانت على حسابهم الخاص.
وربما وحدها وزيرة الصحة البحرينية السابقة وعضوة مجلس الشورى البحريني، الدكتورة ندى عباس حفاظ، كانت تتفهم بعض تلك الحقائق، وكانت أكثرهم جرأة عندما تحدثت عن بعض الاخفاقات الطفيفة، التي حدثت في بعض مراحل ما بعد التغيير، وخصوصا الاوضاع المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والمعيشية والصحة العامة، حيث أن هناك طبقات وفئات اجتماعية كثيرة في المجتمع مازالت تعيش في حالات الفقر وتعاني من البؤس وتتعرض للعديد من الامراض، رغم وجود الوفرة النفطية الفائضة، وخطط ومشاريع الاصلاح المرتبطة بسياسات التغيير، وحيث تحدثت بأن هناك أمور جدية وحساسة داخل المجتمع، يجب الأخذ بها بعين الاعتبار، وأنه يفترض أن تعالج بشكل عملي وفعلي، من أجل الوصول إلى الحلول السليمة التي تتجاوب مع أهداف وتطلعات المواطنين، وكذلك الحال بالنسبة لمشروع الاصلاح، التي تحتاج عمليات النهوض به لسنوات عديدة .
وبعد مضي عامان فقط على هذا اللقاء الساخن والمثير، تفجرت الأوضاع في البحرين، بشكل مأساوي، وتوجهت البلاد نحو نفق مظلم ومخيف، وقد تعسر عليها الخروج منه حتى الآن، وذلك بسبب عدم معالجة جميع إرهاصات حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011 بالنوايا الحسنة وروح التسامح، والتي قد شهدت خلاله البلاد بحر من الدماء وحملات اعتقال تعسفية مسعورة، طالت الرجال والنساء والاطفال، وتخللتها جولات قتل وتعذيب بشعة داخل مراكز الاعتقال، واستشهاد مواطنين أبرياء بواسطة الرصاص الحي والمطاطي خلال التظاهرات الاحتجاجية المطلبية السلمية، وتشريد المئات من العوائل البحرينية خارج الديار إلى مختلف العواصم العربية والعالمية.
وفصل العديد من المواطنين من أعمالهم ووظائفهم، والطلاب من مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم، وفرض قيود أمنية مشددة وصارمة على الحريات المدنية العامة وحرية الصحافة، الأمر الذي قد تسبب في قطع الارزاق وتعطيل الفكر والعمل، والخوف المطلق من سياسة النظام الأمنية المجنونة، ومن توسيع رقعة التمييز بين المواطنين وشق تلاحم الوحدة الوطنية. وهذا كله في الحقيقة شكل التربة الخصبة لظهور حركات المعارضة المعلنة والسرية داخل البلاد وخارجها لمواجهة هذا المد المتنامي الشديد والمقلق من العسف العام، التي مازالت تمارسه السلطة البحرينية في ظل ما سمي ب “عهد الاصلاح الميمون” والذي تبجح وتفاخر بانجازاته القائمة والملفته، أعضاء الوفد البرلماني البحريني في الجلسة الحوارية الساخنة التي جمعتنا بهم في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن .
المقالة القادمة .. نواب بحرينيون يشتمون الشعب وينفخون في نار الفتن الطائفية المقيتة .
هاني الريس
28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021