كذبة السجون المفتوحة في البحرين
وزير الداخلية البحرينية يكشف “المستور” في موضوع التعاون الامني بين بريطانيا والبحرين
تحولت السلطة البحرينية بين ليلة وضحاها من فرض سياسة العقوبات الصارمة والمشددة داخل المعتقلات والسجون البحرينية، ولاسيما ضد النشطاء السياسيين والحقوقيين البحرينيين، التي تعتبرهم مصدر الخطر الاكبر على استقرار وأمن البحرين، أي بما معناه تصديهم للسياسات الخاطئة والطائشة وتحريض الشارع على القيام بالاحتجاجات والانتفاضات، إلى سياسة شبه مرنة في العقوبات، والتي تصفها بأنها الهدف من الاصلاح الاجتماعي للنزلاء ” السجناء ” الذي يمارس حاليا في ظل قانون العقوبات البديلة المزعوم، وتعلن أيضا أن ما يمارس في هذا القانون هو بمثابة ” سياسة أمنية حضارية ” مستوحاة من قيم الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الانسان، وليس من سياسات النظم المتشددة والدكتاتورية .
ربما تبدو سياسة السجون المفتوحة، سياسة حضارية بديلة بالفعل في دول متقدمة ومتطورة ومتحضرة مثل بريطانيا والمانيا والسويد والدنمارك، حيث تحترم هناك مبادىء الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الانسان، التي كرستها نصوص وبنود دساتيرها وقوانينها الوطنية، وحيث ظلت هذه الدول تنظر لجميع مواطنيها على انهم مواطنون أحرار ومتساوين في الحقوق والواجبات، وليس لاحد أي فضل على الآخر إلا بما يستطيع أن يقدمه في خدمة الوطن والامة. ولكن مثل تلك السياسة الحضارة لا تفهم في دول متأخرة ومتغطرسة وتنظر لمواطنيها على أنهم مجرد عبيد وخدم وقطيع من الاغنام تابعين لها مثل البحرين.
زيارة الرياء والنفاق وكشف المستور:
في الايام القليلة الماضية، زار وزير الداخية البحرينية، الفريق أول راشد عبدالله آل خليفة، المعروف بصرامة تشدده ضد المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الانسان البحرينيين، العاصمة البريطانية لندن، والتي هي تحتضن أعداد هائلة من اللاجئين البحرينيين الذين أحتموا بها لاسباب سياسية وأمنية، والتقى هناك مع وزيرة الداخلية في الحكومة البريطانية، بريتي باتل، في مهمة رسمية وصفتها وسائل الاعلام البحرينية الصفراء، بالناجحة والايجابية، وكانت تهدف لتكريس وتعزير مستوى ” الشراكة الوثيقة ” وطويلة الأمد بين المملكة المتحدة البريطانية والنظام الخليفي الحاكم في البحرين، ولا سيما في مجال العمل البوليسي والعدالة الجنائية، وتنسيق التعاون في مجال تبادل الخبرات وبناء القدرات، في ما يتعلق بتطبيق تجربة السجون المفتوحة ” البديلة ” المعمول بها حاليا في البحرين .
وبحسب الوزير البحريني، أن ميزة السجون المفتوحة التي ابتكرت حديثا في البحرين، تتمثل في أن الحكومة البحرينية يمكنها أن تركز على عمليات تأهيل الاسخاص المفرج عنهم بموجب نظام قانون العقوبات البديلة، واعدادهم نفسيا نحو السير على طريق الصواب وتقديم الخدمات للمجتمع، ولكن الممارسات الماضية والحاضرة أظهرت كذبة وخداع الحكومة تجاه من أطلقت سرحهم وادعت بتأهيلهم والتوجه بهم في طريق الصواب، حيث فرضت عليهم فرضا ملاحقات صارمة وتقصت جملة تحركاتهم وسكناتهم، وخنقت أصواتهم وأجبرتهم على تقديم الولاء للسلطة والظهور على شاشات التلفزة والصحف ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي لكي يغدقوا بالمديح للمكرمات السامية للملك والحكومة، التي ساعدتهم وافرجت عنهم لكي يلتقون بأهاليهم وأصدقائهم وأحبائهم، وهذا معناه انها تريدهم أن يبقون بمثابة رهائن طيعة تتحكم في مصائرهم كما تشاء وترغب، وهذا الامر بفعله وطبيعته يدحض بكل صراحة ووضوح الهدف الاسمى التي ظلت تتفاخر به الحكومة البحرينية، من أنها تريد أن تنقل السجين من وضع صعب إلى وضع أسهل يخفف عليه المعاناة، وتريده أن يكون مواطن صالح ويعمل من أجل المصلحة الوطنية العليا المطلوبة من كل مواطن بحريني .
وفي موضع آخر، وبحسب الوزير البحريني، أن الحكومة تريد أن تعزز مجال الشراكة والتعاون وتبادل الخبرات وبناء القدرات مع المملكة المتحدة البريطانية، في ما يتعلق بتطبيق تجربة السجون المفتوحة المجربة والناجحة هناك على امتداد عقود، وهو الذي يكون قد يعلم علم اليقين، بان هناك فوارق قد تكون شاسعة بين نظام متقدم وحضاري مثل بريطانيا التي تحترم دستورها وقوانينها وتوفر كافة الفرص الاجتماعية والاقتصادية والامنية لمواطنيها وتحترم ارادتهم، وبين نظام مستبد وقاتل ومهيمن على جميع مفاصل السلطة والحكم ويحرم أبنائه من أبسط حقوق المواطنة المشروعة، ويقمع الاصوات المعارضة لسياساته الخاطئة والطائشة والقمعية ويزج بها في السجون، وشتان ما بين الثرا والثريا، وإذا ما أرادت الحكومة البحرينية أن تستفيد بحق وحقيقة من التجربة الحضارية البريطانية ونظام سجونها المفتوحة، وتبني عليها قدراتها، ينبغي عليها أن تستوعب دروس ماضيها القمعي، وان تحترم الدستور والقوانين، وتلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات والبرتكولات الدولية ذات الصلة بالديمقراطية وحقوق الانسان، التي وقعت عليها، وتستفيد على نحو جريء من كافة النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية المكرسة في دساتير وقوانين أنظمة الحكم المتقدمة والمتطورة والعصرية ومنها المملكة المتحدة البريطانية، أما أن يبقى النهج الاستبدادي القمعي معشعشا في مخيلتها، فان النظام الفاسد الذي امتد عبر عقود سيظل يحث الخطى من دون أي تحول أو تغير، ويعتبر الحديث عن الاستفادة من التجارب البريطانية في الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الانسان ليس أكثر من مجرد أوهام وأحلام يقضة وتناقض للحقيقة والواقع .
نفاق المملكة المتحدة البريطانية في حقوق الانسان:
في حزيران/ يونيو 1997 أصدر وزير الخارجية البريطانية في حكومة حزب العمال الراحل، روبن كوك، بيان وزاري تحدث فيه عن الخط الذي ستنتهجه السياسة البريطانية الخارجية، وقال: أن بريطانيا ظلت تعمل بكل ما في وسعها من خلال المحافل الدولية والعلاقات الثنائية على نشر قيم الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الانسان، التي تطالب بها لنفسها، غير أن الحقيقة كشفت عن أن بريطانيا ظلت تعمل من وراء الستار على دعم الانظمة السياسية المستبدة والدكتاتورية في مختلف دول العالم ومنها البحرين، وذلك لمساعدتها في قمع الاصوات المطالبة بالديمقراطية والحرية والحقوق المدنية، وتصدر لها الاسلحة والمعدات والخبراء والمستشارين والشرطة الامنية القمعية .
ويحدث، أن تكذب اليوم وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل، على نفسها وعلى البريطانيين، وكذلك شعب البحرين، بأنها تريد أن تخدم قضايا الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الانسان في البحرين، من خلال توسيع وتقوية جسور ” الشراكة الوثيقة ” وطويلة الامد بين بريطانيا والبحرين، وهي ايضا تعلم علم اليقين بأنها تتعاون وتتعاطف مع نظام دكتاتوري له أسوأ سجل في العالم في مجال حقوق الانسان، حيث باتت ممارسة العنف المفرط والقتل والتعذيب الوحشي الممنهج في سجون البحرين هي العملة اليومية المفضلة للنظام الخليفي في البحرين .
هاني الريس
28 آيار/ مايو 2021