أوراق من تاريخ النضال الوطني لقوى المعارضة البحرينية في الخارج (2 من 5)
رؤية الدكتور سعيد الشهابي حول التطورات السياسية الجديدة في البحرين، ولماذا تأخرت عناصر حركة احرار البحرين عن العودة إلى البلاد بعد أن عاد اليها أغلب الرموز في المعارضة؟
تكملة مقابلة صحيفة “الشرق الاوسط” مع الدكتور سعيد الشهابي.
* بصفتك احد ابرز المعارضين في الخارج كيف ترى التطورات السياسية الجديدة في البحرين؟
– انني اشعر بارتياح كبير مما تحقق خلال الاسابيع الاخيرة، فقد استطاع الامير الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، اختصار المسافات والتغلب على صعوبات الموقف وتعقيداته، وحقق للشعب اغلب ما يطالب به منذ ربع قرن. وبالتالي فهناك ارتياح عام من تلك الخطوات، خصوصا اعادة العمل بدستور البلاد المعلق منذ 1975 والقبول بمبدأ انتخاب المجلس الوطني، واطلاق سراح جميع السجناء السياسيين والسماح بعودة غير مشروطة للمبعدين. والاهم، في نظري، الغاء قانون امن الدولة ومحكمة امن الدولة. ولا بد من الاشارة الى ان ذلك القانون الرهيب كان من اهم معوقات الاستقرار الامني والسياسي، وبإلغاءه دخلت البلاد مرحلة اكثر أمنا واستقرارا.
هناك جدية في تطبيق المشروع الاصلاحي الذي طرحه الامير وولي عهده. وهذا يتطلب السماح بقدر من الشفافية في طرح البرامج السياسية، والسماح بالحريات العامة وفي مقدمتها حرية الصحافة والتجمعات والممارسة الدينية.
* لقد عاد اغلب الرموز في المعارضة، وما تزال عناصر حركة احرار البحرين في الخارج، فلماذا؟
– السماح بعودة غير مشروطة للمبعدين السياسيين كان من بين مطالب المعارضة، وقد وافق الامير على ذلك مشكورا. وقد عاد العديد من العناصر المعارضة الى البلاد، وهذا أمر ايجابي. واتخذت اغلب فصائل المعارضة قرارا بالعودة، لكن هناك معوّقات تعرقل عودة البعض بالسرعة المطلوبة. فيجب ان لا ننسى ان منع المواطنين من العودة الى بلادهم او ابعادهم قسرا كان سياسة ثابتة انتهجها البريطانيون في البحرين منذ الثلاثينات عندما ابعدوا اثنين من زعماء المعارضة الى الهند. وفي الخمسينات تم نفي ثلاثة من الرموز الوطنية هم عبد الرحمن الباكر وعبد علي العليوات وعبد العزيز الشملان الى جزيرة سانت هيلانة بالمحيط الاطلسي، ولم يفرج عنهم الا بقرار محكمة بريطانية في العام .1961 وقد توفي الباكر في سورية والعليوات في النجف، ولم يعد الى البلاد الا عبد العزيز الشملان، بعد الاستقلال. واستمرت الابعادات والنفي خصوصا في العشرين عاما الماضية.
وبعد ان وضعت البحرين على قائمة الدول الخاضعة للمراقبة من قبل لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة في العام 1992 سمح لبعض المبعدين بالعودة واستغل ذلك لرفع البحرين من القائمة. وقد استمرت سياسة الابعاد حتى العام الماضي. وجاء القرار الاميري ليفتح الطريق امام عودة المعارضين. وكما ذكرت فقد عاد عدد منهم، وما يزال الباقون يرتبون امورهم ليعودوا. وأود ان اشير الى نقطتين اراهما مهمتين: الاولى ان المهم في الامر ضمان حق العودة لجميع ابناء البحرين، وترك امر العودة الفعلية لهم ليعودوا متى شاؤوا، وعدم سلب ذلك الحق منهم تحت اي عنوان. الثانية ان اجراءات العودة سهّلت نوعا ما، ولكن ترفض السفارات اصدار جوازات سفر للمواطنين وتشترط العودة الى البلاد لاصدارها، الامر الذي لا يجعل العودة امرا يسيرا خصوصا على المرتبطين بأعمال في بلدان اقامتهم. وبالاضافة الى ذلك ما يزال عدد من المواطنين ممنوعين من العودة خصوصا في بريطانيا، لأسباب غير معروفة، ونأمل ان تبادر السلطات لتسهيل مهمتهم وفقا للقرار الاميري الذي لم يستثن اي مواطن.
* كيف ترى تجدد مخاوف البعض من صعود التيار الديني على حساب التيارات الاخرى؟
– لقد نجحت المعارضة البحرينية خلال عمرها الطويل في التكاتف والتلاحم، فالتقى الاسلامي بالوطني والشيعي بالسني، وتلاحمت جهود المرأة مع الرجل، فكانت نتيجة ذلك النضال ما تحقق الآن على يدي امير البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. ويشعر قطاع كبير من الرموز الاسلامية بضرورة الابقاء على هذه الروح التلاحميه بين ابناء الوطن الواحد. لقد كان التلاحم واضحا بين الفعاليات الحقوقية والسياسية من مختلف الوانها خصوصا في الخارج. ونجم عن ذلك قيام لجنة العريضة الشعبية في العام 1994، وهي اللجنة التي مثلت اغلب الاتجاهات السياسية والدينية في البلاد، وما تزال قائمة حتى الآن. ونحن في التيار الاسلامي نؤمن بوحدة المعارضة البحرينية على اختلاف مذاهبها الدينية والسياسية، ونؤكد ضرورة ابقاء خطوط التعاون والتلاحم مفتوحة، ومنع حدوث التشققات، خصوصا في الفترة الحالية. ان للتيار الديني قاعدته العريضة، ولكنه يؤمن بضرورة تنوع المعارضة واستيعابها لوجهات النظر المتباينة احيانا، فاذا كانت المحنة قد جمعت ابناء البحرين فيجب استمرار هذا الجمع في حالة الرخاء والانفراج. وهناك الآن توجه عميق لدى الرموز القيادية في الحركة الاسلامية بضرورة الحفاظ على ما تحقق من وحدة وطنية في السابق وتأكيدها من منطلقين: اعترافا بالجميل تجاه كل من ضحى من اجل الحرية، وحفاظا على المكاسب التي تحققت. وما يزال هناك دور للقطاع المثقف من جميع القطاعات للقيام بمشاريع مشتركة في النوادي والجمعيات المهنية والتخلي عن عقلية الاستحواذ والهيمنة.
* كيف تنظرون الى انعكاسات ما جرى في البحرين على صعيد الخليج؟
– ان من الصعب محاصرة انتقال الافكار والتجارب بين الشعوب خصوصا اذا كانت تلك الشعوب تعيش منطقة واحدة وتشترك في طبائع كثيرة وعادات وتقاليد وانماط حياة، والخليج منطقة متقاربة، كما ان شعوبها متداخلة وتطلعاتها متقاربة، كما هو الحال مع حكوماتها. وقد انتبهت الحكومات لضرورة التطوير السياسي وفتح مساحة الحريات.
الحلقة القادمة .. المعارض البحريني الدكتور عبدالهادي خلف يشيد بأهمية الاجماع الوطني في مشروع الاصلاح السياسي ويبدي تفاؤله بمستقبل التغيير وتعزيز الدولة الدستورية .
هاني الريس
30 آذار/ مارس 2021