أوراق من تاريخ النضال الوطني لقوى المعارضة البحرينية في الخارج (4 من 4)
ماذا حدث .. الوزير وهيبة الدولة .. مبادرة ولي العهد حمد بن عيسى آل خليفة، حول عودة المبعدين والمنفيين.
“العرب”: لعله من المناسب الآن أن ننتقل إلى الاحداث التي جرت مؤخرا في الشارع البحريني .. خاصة وانه يشاركنا في ندوة اليوم اثنان من الذين أبعدتهم السلطات البحرينية لدورهم في هذه الاحداث .. والسؤال هو كيف بدأت هذه الاحداث وكيف توجهت مساراتها؟
– الشيخ حمزة الديري: هذه الاحداث لم تنشأ من فراغ، أو حدثت بمحض الصدفة، وانما نشأت من ظروف ومناخات سياسية واجتماعية تراكمت عبر عدة عقود حتى نفذ صبر المواطنين وخرجوا يعبرون عن احتجاجهم في الشارع على هذه الاوضاع.
فعندما يجد المواطن نفسه محروما من حاجاته الانسانية، بدءا من رغيف الخبز ونهاية باحساسه بكرامته وعزته في بلده تبدأ ثورته.
والشرارة التي فجرت الاحداث كانت عملية اعتقال الشيخ علي سلمان في الخامس من ديسمبر الماضي، وذلك لدوره البارز في تحريك الناس للمطالبة بحقوقهم المشروعة، وخاصة على صعيد تبني العريضة الوطنية التي قدمت إلى أمير البحرين تطالبه باعادة العمل بالدستور واعادة الحياة النيابية وكذلك على صعيد قضية البطالة المتفشية في البلد، حيث وصل عدد العاطلين إلى أكثر من 40 الف مواطن، في نفس الوقت التي توجد فيه عمالة أجنبية كبيرة في البحرين يقدر عددها طبقا للتصريحات الرسمية 180 ألف عامل أجنبي.
هل تتصورون أن هناك اطباء بحرينيين لايجدون العمل، في الوقت الذي تمتلىء فيه المستشفيات بالاطباء الاجانب من مختلف الجنسيات.
“العرب”: عفوا للمقاطعة ياشيخ حمزة، كيف يمكن تفسير عدم تحرك الحكومة للقضاء على بطالة 40 ألف مواطن ولديها 180 الف فرصة عمل للاجنبي، وذلك رغم خطورة مشكلة البطالة على استقرار الاوضاع السياسية في البحرين؟
– الشيخ حمزة الديري: السبب الرئيسي يكمن في المصلحة المادية لعدد من أفراد العائلة الحاكمة والاشخاص المحيطين بهم، والتي هي تتولد من مشروع المتاجرة في تأشيرات العمل للاجانب وايضا منح العمال الاجانب رواتب أقل من الرواتب المتفق عليها في عقودهم مع الشركات والجهات الحكومية وتحصيل الفارق في جيوبهم .
الوزير وهيبة الدولة :
“العرب”: هل انطلقت المظاهرات تحديدا منذ اليوم الذي اعتقل فيه الشيخ علي سلمان؟
– الشيخ حمزة الديري: نعم منذ اليوم الاول لاعتقال الشيخ علي سلمان، بدأ الناس يتجمعون في منطقة البلاد القديم وتجمعنا معهم كرجال دين لتهدئة مشاعرهم وايضا للاعلان عن تضامننا معهم في المطالبة بالافراج عن الشيخ علي ومجموعة من الشباب الذين تم اعتقالهم معه.
واستمرت التجمعات الشعبية المطالبة باطلاق سراح الشيخ والشباب المعتقلين لمدة ستة ايام بعدها ذهب وفد من اربعة من علماء الدين، كنت واحدا من بينهم لمقابلة وزير الداخلية للمطالبة بالافراج عن المعتقلين ولكن الوزير رفض الاستجابة لهذا المطلب تماما، وأكد لنا انه لابد من انهاء هذه التجمعات.
قلنا للوزير انه إذا كان هناك من يستطيع انهاء هذه التجمعات فليتفضل اما نحن فلا نستطيع انهائها دون تحقيق المطلب العادل المتمثل في الافراج عن جميع المعتقلين لانه بدون تحقيق هذا الامر فان الجماهير الغاضبة لن تستجيب لنا.
كان رد الوزير انه سينهي هذه التجمعات بأي شكل من الاشكال، ولن يسمح باهانة الدولة من خلال الاستجابة لمطلب المتظاهرين.
وعدنا من لقاء الوزير ولا نعلم ما سنقوله للناس، وحاولنا التهدئة وتخفيض حجم التجمع، ولكن الناس بدءوا يتجمعون وفجأة بدأ هجوم قوات مكافحة الشغب وانهالت عليهم بقسوة وضراوة مبالغ فيها، وقامت بمحاصرة منطقة البلاد القديم بالكامل وبدأت حملة رهيبة في مداهمة المنازل والمحال التجارية واعتقال العشرات من الناس بشكل عشوائي.
وفي اليوم التالي انتقل الغضب الشعبي من البلاد القديم إلى مناطق اخرى في البحرين وتوالت الاحداث حتى الساعة.
وخلال المواجهات اليومية الدامية ومع بدء اطلاق الشرطة العيارات النارية بالرصاص الحي، تطورت مطالبة المتظاهرين من الافراج عن المعتقلين إلى الديمقراطية والحريات السياسية والقضاء على البطالة المتفشية في البلاد.
“العرب”: لقد لوحظ انه بعد ابعادكما مع الشيخ علي سلمان خارج البحرين، هدأت المظاهرات إلى حد كبير؟
– السيد حيدر الستري:هذا ليس صحيحا وربما قد حدث هدوء نسبي بسبب القمع المتزايد التي ظلت تمارسه قوات الامن ضد المتظاهرين، ولكنه أمس فقط اجتاحت البحرين مظاهرات ضخمة وسقط شهيد آخر برصاص قوات مكافحة الشغب.
بالاضافة إلى نقطة أخرى، وهي أن عدد المعتقلين تجاوز الثلاثة آلاف مواطن، وهذا بدوره تطور خطير وله تأثير كبير، ونحن نعتقد أن التظاهرة القادمة ستشارك فيها النساء بشكل أكبر، لان معظم الرجال أصبحوا في المعتقلات.
“العرب”: هناك تلميحات واشارات رسمية بأن الاحداث الاخيرة حركتها فقط الطائفة الشيعية ولم يشارك فيها السنة؟
– هاني الريس: كنا نسمع الكثير من هذه التلميحات والاشارات الرسمية بهذا الخصوص، وكنا نعتبرها ليست أكثر من مجرد أوهام، لأن ما كان قد حدث في البلاد من احتجاجات وتظاهرات مطلبية عارمة بشأن الاصلاح والعدالة الاجتماعية للجميع، لم تقتصر وحدها فقط على تيار أو طائفة معينة من طوائف المجتمع البحريني، انما هي شملت بصورة عامة جميع الوان الطيف الوطني البحريني، التي شاركت في الحدث، والدليل على ذلك هو ما ظهر من خلال مشروع العريضة الشعبية الموسعة، التي اعتمدت على الاجماع العام حول القضية الوطنية، والتي حظيت بتواقيع جميع اطياف المجتمع، هذا بالاضافة إلى أن الموقعين المؤسسين الاربعة عشر للعريضة الوطنية النخبوية، وكذلك العريضة الشعبية، يوجد بينهم أشخاص كثيرين من أبناء الطائفة السنية، حيث كان الجميع متفقين على انه لا يمكن أن يكون هناك خلاف حول ضرورة التلاحم الوطني العام والشامل في أوقات المحنة.
– الدكتور عبد الهادي خلف: الاستراتيجية الاعلامية للحكومة تعتمد على ابراز الاحداث التي تجري منذ ديسمبر الماضي باعتبارها اولا قلاقل شيعية وثانيا انها مدفوعة من الخارج وتحديدا من ايران وثالثا انها مؤقتة لن تستمر وتعود الاوضاع بعدها إلى سابق وتيرتها المعتادة.
وينسجم هذا الوضع مع الاستراتيجية الاعلامية السائدة الآن في العالم العربي، والتي تشير إلى كل حركة معارضة باعتبارها حركة اصولية تستهدف العودة بالمجتمع إلى القرون الوسطى، وذلك كي تفرغها من محتواها السياسي الوطني.
مبادرة ولي العهد :
“العرب”: منذ يومين أعلن الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ولي عهد البحرين في حديث صحفي ترحيبه بعودة المبعدين شريطة التزامهم بالقوانين المرعية في البلاد.. ماهو ردكم على هذه المبادرة؟
– محمد علي مهدي: نحن نسأل ولي العهد بدورنا أي قوانين يراد منا الالتزام بها .. وهل يمكن الالتزام بقوانين صدرت في غياب سلطة تشريعية؟
– الدكتور منصور الجمري: من الغريب جدا أن تكون العودة للوطن مشروطة، وكأن بقاء الانسان في وطنه مرتهنا بخضوعه للسلطة، ونحن نفهم أن يقدم المواطن للمحاكمة عن جريمة ارتكبها، ويسجن أو حتى يعدم طالما كانت هناك أدلة قانونية ضده أما أن يبعد عن وطنه دون ارتكاب جريمة أو تحقيق أو محاكمة فهذا ما لا نفهمه وما لا يمكن لانسان أن يقبل به مطلقا.
– أحمد ضيف: ان حق المواطن في البقاء في وطنه والموت على أرضه هو حق انساني مقدس لا يمكن لأية سلطة أن تنتزعه أو ترهنه بأية شروط كانت.
هاني الريس
17 اذار/ مارس 2021