(2 من 2) أوراق من تاريخ النضال الوطني لقوى المعارضة البحرينية في الخارج
قرار “الصوت الواحد” في مؤتمر لندن للمعارضة البحرينية تصدى لجملة تحديات .. وتظاهرة احتجاجية حماسية أمام السفارة البحرينية، عززت مشاعر الأخوة والتضامن الأجنبي مع شعب البحرين وقضيته العادلة ..
بعد مراجعة وتدقيق شامل لجميع المقررات والتوصيات التي أقرها المؤتمر، وبعد أن تراجعت الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين عن جميع اعتراضاتها وتحفظاتها السابقة بشأن ما جاء في بعض مقررات البيان الختامي، التي كانت في رأيها لاتتناسب مع وضع المرحلة الجديدة والخطيرة، التي تمر بها البلاد والمنطقة، وظلت مصممة على التمسك بها طوال فترة المناقشات، لولا أن توصل الجميع إلى إيجاد حلول وسطى بشأنها، وذلك من أجل منع انفراط عقد التحالف الوطني.
وقع جميع المشاركين على الصيغة النهائية لهذا البيان، والذي قد شدد بقوة على المضي قدما نحو توثيق أواصر التعاون والتكاتف وتوحيد الصف الوطني والاسلامي في جبهة واحدة وموحدة لمواجهة تحديات السلطة البحرينية ومواقفها المتعنتة والمتشددة في صراعها مع الحركة المطلبية الشعبية، وتكثيف الحملات النضالية والميدانية والاعلامية ضدها على المستويين الداخلي والخارجي، باستثناء توقيع الحاضر الغائب في المؤتمر، حسن موسى شفيعي، الذي ظل مصرا على الرفض الفج بشأن التوقيع، والذي ربما تاه عقله في تلك اللحظة الزمنية نحو منافع أخرى شخصية، لا تعي بضرورات هذه المرحلة الدقيقة والحساسة في تاريخ البحرين، وذلك بالرغم مما كان يدعيه بأنه أحد النشطاء الحقوقيين الداعمين للمعارضة، وللعلم فأن الرجل نفسه، الذي ظل دوما يتذاكى فيه على المعارضة، ويحاول أن يلعب على الحبال كثيرا، ويستفيد من أوضاعها المالية لحضور المناسبات والمؤتمرات الحقوقية في جنيف وغيرها من العواصم الاوروبية، ظل بعد عودته إلى البحرين، في فترة العفو العام الشامل في 2001، من أكثر المداهنين للسلطة، وكان يحلم بأن يحصل على شيء ولو بسيط من الكعكة التي حاولت أن تقسمها بالتقسيط والتقطير على عدد من أفراد المعارضة العائدين من المنفى.
كما هو حال، الدكتور مجيد العلوي “الرجل الثالث في حركة أحرار البحرين الاسلامية” الذي عاد إلى البلاد قبل فترة الانفتاح السياسي والعفو العام الشامل بوقت طويل، وتخلى عن دوره كمعارض صلب ومزاود على الآخرين، حيث أنه بعد أكثر من 18 عام من النضال المتواصل في المنفى القسري، إرتمى في أحضان الحكم وبشكل واضح وصريح، وأصبح بعد حصوله على مناصب رسمية تدريجية، أول وزير للعمل والشؤون الاجتماعية، في أول حكومة بحرينية شكلت بعد تحويل دولة المراقبة الأمنية الصارمة إلى مملكة، وقاد بعدها حملة شرسة على المعارضة الوطنية، بعد أن تنكر لأفضالها عليه وعلى أمثاله من “المعارضين السياسيين” الذين نقضوا العهد وتخلو عن دورهم في قضية الدفاع عن مصالح الأمة البحرينية، التي ظلت تتعرض للقهر وإلى العسف العام وانتهاك الكرامة الانسانية، وقبلوا خانعين بكل ما قد قدمته لهم السلطة البحرينية من فتات الموائد الأميرية ومن بعدها الملكية، قبل أن تحرق أوراقهم في النهاية وتذلهم وتهينهم وتدفع بمصيرها إلى الهاوية.
تنكر، حسن موسى شفيعي، لجميع أفضال المعارضة في الخارج، وأشاح بوجهه حتى عن أقرب المقربين إليه على مستوى المنظومة الحقوقية البحرينية، وقد أشاع عن نفسه بعد ذلك لدى زملائه الآخرين، بأن السلطة البحرينية، ربما أصبحت اليوم بحاجة إلى خدماته لكونه أحد النشطاء الحقوقيين البارزين والمعروفين و “عبقري زمانه” في أوساط الحقوقيين الوطنيين والدوليين، حتى أنها عرضت عليه بأن يكون سفيرا لها في جنيف، ولكنه فضل الانتظار لحسم قراره في القبول أو المنع، وبالفعل فأن السلطة البحرينية، التي أشتهرت بشراء الذمم وغسل العقول، هي التي فكرت أولا وأخيرا وليس هو وحده فقط، في معركتها لاستقطاب المعارضين المتقلبين والمهزومين والحالمين في امتيازاتها السلطوية، باستخدام هذا الشعار “إما أن تدعم رجلك الزاحف إليك على بطنه، وأما أن تقصيه جانبا” وهنا درست السلطة ذلك الأمر بدقة وعناية، وقررت أن تستقطب هذا الرجل، اعتقادا منها بأنه قد يفيدها استفادة جيدة وكبيرة، في صراعها مع منتقديها والمعترضين عليها، من المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بسبب انتهاكاتها لحقوق الانسان.
وكنتيجة لجهودة الرامية لتبييض الوجه الاسود الكالح للنظام السياسي البحريني، تفضلت عليه السلطة البحرينية، بمنحه جائزة “الولاء الاعمى” وهي عبارة عن وضيفة صورية ومدفوعة الثمن “كمستشار حقوقي” في سفارتها في لندن، بعد أن تفضلت عليه في سابق السنوات من ذلك، بتزويده بأموال هائلة لكي يؤسس بها مشروعه الحقوقي الفاشل في لندن أيضا وهو “مرصد البحرين لحقوق الانسان” والذي قد حاول من خلاله تبييض صورة النظام في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، وتشويه الصورة الناصعة للمعارضة البحرينية، ولكنه لسوء حظه تداعت أركان مشروعه الحقوقي التبييضي برمته، وذلك في غضون سنوات قليلة، وأنتهى به الأمر إلى السقوط في الهاوية.
والحقيقة الساطعة، فإن الرجل منذ ذلك الوقت الذي كان يعمل فيه كناشط حقوقي بحريني في صفوف المعارضة، كانت تدور من حوله شكوك كثيرة وخطيرة، حول ممارسته لهذا العمل، وقد حذرنا وقتها جميع الأخوة الذين كانوا يثقون فيه وفي مسيرته “الحقوقية النضالية المشبوهة”، سواء من جانب حركة أحرار البحرين، التي كانت تقدم له الدعم المعنوي والمال الميسور لحضور المؤتمرات الحقوقية الدورية في جنيف، وفي غيرها من العواصم الاوروبية، بالاضافة إلى كل ما كان يجنيه من تبرعات المواطنين البحرينيين، التي تصل إليه من الداخل، ولم يخلوا الأمر من أنه أيضا قد إستولى على ارشيف فيديوهات المعارضة بالكامل من مؤسسة دار الحكمة في لندن، بعد أن طلب استعارته تحت ذريعة قيامه بمهمة توثيقية، ولم يعيده بعد ذلك إلى أصحابه بالمطلق، أو الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، التي كان ينتمي لها سابقا، ثم خانها وتمرد عليها، أو المنظمة البحرينية لحقوق الانسان، الذي كان يعمل في صفوفها كقيادي متقدم، ويمسك بالكثير من دفاترها وأسرارها وأمانة صندوقها في لندن.
حذرناهم جميعا مرارا وتكرارا من غموض وخطورة هذا الرجل، ولكنه للاسف الشديد للغاية لم نجد هناك أحدا من يستمع للنصيحة، أو من يتقبل أمر التنبيه والتحذير بصدر رحب. وما هو مؤسف أيضا أن نقول هنا، أنه يوجد في حقبة هذه المرحلة الجديدة الحالية من النضال السياسي على المستوى الخارجي، بعض الاشخاص الذين هم يلبسون لبوس المعارضة البحرينية، من على شاكلة هذا الرجل، ويتاجرون بالقضية الوطنية كما لو انها أصبحت في نظرهم من ضمن البقرات الحلوب، وسوف يأتي ذلك اليوم الذي سوف نكشف فيه اللثام عن وجوههم، وعن مصادر تمويلهم، وإذا لم يتخذ أحدا من قوى المعارضة الوطنية الشريفة، مسائل توخي الحيطة والحذر، من هؤولاء فانهم أيضا سوف يسلكون نفس ذلك المسلك المنحرف، الذي سبقهم فيه آخرين من رفاقهم، وسينقلبون على المعارضة، عندما تحين لهم الفرصة الذهبية السانحة، وقد يتحولون بكل بساطة إلى الجانب الآخر، أي السلطة البحرينية، والتي بدورها سوف تستقبلهم الاستقبال الحار من أجل حصولها على أشياء كثيرة ومهمة من أسرار المعارضة، وكل ذلك يأتي من أجل جني المكاسب المادية والامتيازات السلطوية، على حساب القضية الوطنية والشعب، الذي ظل يكابد على امتداد عقود طويلة، من أجل حصوله على كسرة الخبز في دولة خليجية نفطية، والتمتع بكامل حقوق المواطنة المشروعة.
وللاسف الشديد كذلك، فان الحراك الشعبي التي تفجرت شرارته، في شباط/ فبراير 2011، والتي سحقته السلطة البحرينية بوحشية كبرى ومن دون هوادة لا مثيل لها في تاريخ البحرين، قد أنتج جيل جديد من أنصاف المناضلين السياسيين والحقوقيين، وما يظل يصفهم البعض بمناضلي مواقع “تويتر، وانستغرام، والفيس بوك، والفيديوهات، وشاشات القنوات الفضائية المتعددة” الذين ركبوا الموجة الثورية في وقت متأخر من ذلك الحدث الوطني الكبير، على حساب تضحيات الثوار الحقيقيين والأصليين المضحين بأرواحهم ومستقبلهم والصامدين في الساحة، والتي يجب أن ترفع لهم دائما قبعات الاجلال والتقدير والتحية المخلصة والحقة على كل ما قدموه من مكابدات شديدة ومن تضحيات جسام على مذبح الحكم، مشابها لجميع الاشخاص المهزومين والمنفلتين من عقولهم والمنقلبين على أعقابهم في صفوف المعارضة البحرينية.
ولاشك من أن مختلف قوى المعارضة الاصيلة الشريفة، التي تريد بنضالاتها المستميتة، أن تنتزع كامل الحقوق المشروعة لشعب البحرين، وتكريس المزيد من السياسات التي تكفل الحريات المدنية للبحرينيين، بمختلف الوسائل المتاحة للديمقراطية، بدلا من احداث الفوضى الشعبية والعنف، قد إبتلت بهم وبأوضاعهم، بحيث أن نسبة كبيرة من هؤولاء المعنيين أعلاه، قد هاجروا البلاد بشكل طوعي ومن دون أن يواجهوا أية ملاحقات أمنية مقلقة وخطيرة، وقد وربطوا حياتهم ومستقبلهم في خارج البلاد بذريعة أنهم من المضطهدين والملاحقين والمطلوبين للسلطات الأمنية البحرينية، وعلى هذا الأساس حصلوا على فرص منحهم حق اللجوء السياسي في مختلف العواصم العالمية بناءا على إدعاءاتهم ومزاعمهم، وعندما أستقر بهم الحال في ساحات المنافي الطوعية التي اختاروها بأنفسهم، وتمتعوا بأموال وإمتيازات اللجوء السياسي، وجنسيات البلدان التي يقطنونها، ربما نسى أو تناسى الكثيرون منهم أن يقدموا جل خدماتهم للقضية الوطنية، التي ادعوا وتظاهروا بتمثيلها، وظلوا منشغلين بأوضاع حياته المعيشية اليومية، والبعض الآخر منهم قد نصبوا أنفسهم بأنفسهم على أنهم زعماء وقياديين بارزين، وأصحاب مبادرات جديدة، واختاروا أيضا لانفسهم بأنفسهم كل ما فتح ورزق من الالقاب الكبيرة الطنانة والرنانة، في الصفوف المتقدمة في التنظيمات، بوصفهم نشطاء محسوبين على عمل المعارضة في الخارج، في ما الواقع والحقيقة تقول، بأنهم ليسوا أكثر من مجرد أشخاص طارئين على مختلف قوى المعارضة الوطنية الحقيقية والجادة والصادقة والمخلصة، التي ظلت تناضل وتكافح في الخارج على امتداد عقود.
البيان الختامي للمؤتمر :
شدد البيان الختامي للمؤتمر، على ضرورة تنظيم وتفعيل العمل المشترك والموحد بين جميع فصائل الحركة الوطنية والاسلامية وقوى التغيير في البلاد، والوقوف وقفة رجل واحد إلى جانب القضية الوطنية العليا، والدفاع عن جميع القضايا الاساسية للشعب، ودعم ومساندة التحرك المطلبي الواسع النطاق، الذي يواجه هجمة أمنية شرسة وهستيرية من الاجهزة الأمنية، وتكثيف الضغوط على النظام من أجل تحقيق الانفراج السياسي السريع والموسع والشامل، والقبول بالجلوس مع المعارضة على طاولة الحوار المسؤول، وتقبل الرأي والرأي الآخر، واحترام الارادة الشعبية، وتحقيق جميع مطالبها المشروعة في استعادة الحياة النيابية العامة وتفعيل المواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين التعاقدي للعام 1973 ووضع حد للسياسات الصارمة الأمنية، والمطالبة الفورية باطلاق سراح جميع رموز وقيادات المعارضة وقواعدها وأنصارها، الذين تم اعتقالهم خلال الاحداث، ووقف حملات الاعتقال التعسفي خارج إطار القانون، ومنع المحاكمات الجائرة والصورية، ووقف قرارات الاعدام، والغاء قانون ومحاكم أمن الدولة السيء الصيت، ومحاسبة الاشخاص الذين مارسوا الاضطهاد العام والذين تصدوا للتظاهرات السلمية وأطلقوا الرصاص الحي والمطاطي وقتلوا العديد من الأبرياء، ومنع ممارسة التعذيب والقتل تحت وطأة التعذيب، ووقف الملاحقات والمداهمات الامنية ومحاصرة مناطق الاحتجاجات، والسعي المستمر للسلطات بشأن تطويق وتقويض وردع مفعول الحراك المطلبي الوطني، والسماح للمنظمات الحقوقية الدولية ومنظمة الصليب الأحمر الدولية بزيارة البحرين في مهمة تقصي الحقائق، ووقف الحملات الاعلامية السلطوية المنظمة والممنهجة والمجيرة لمحاربة المعارضة البحرينية، ورفض التدخلات الاجنبية في الشأن الداخلي البحريني، بالاضافة إلى العديد من التوصيات المهمة والطارئة والملحة، وطرح المبادرات الحقيقية والفعلية لاثراء الخطط والمشاريع النضالية الراهنة وعلى مستوى المستقبل.
ولكن على الرغم من اصرار جميع القوى السياسية والشخصيات المستقلة المشاركة في المؤتمر، التي ووقعت على البيان الختامي، وبالرغم من تصاعد اصوات الناس المضظهدين، الذين يريدون قادة سياسيين يملكون من الشجاعة والحكمة قدرا يمكنهم من تحدي ممارسة البطش والتنكيل بالمواطنين المناهضين للسلطة، ويأملون في أن تتمكن قوى المعارضة البحرينية في الخارج من إثارة وتسليط الاضواء على القضايا المهمة للحراك الشعبي في مختلف وسائل الاعلام الدولية وفي المنابر الديمقراطية والحقوقية في جميع أنحاء العالم، فأن الجهود التي تمخضت عن نتائج المؤتمر، وكان يفترض أن يتم تنفيذها بحذافيرها على أرض الواقع، كانت ضعيفة للغاية وغير فعالة على الصعيد العملي، ولم تفي بكافة الشروط المطلوبة، والسبب هو تراخي بعض القوى في التنفيذ السريع والفوري لجميع القرارات والتوصيات الكثيرة، التي شدد عليها في البيان الختامي.
وغياب أدوات ترويج الافكار القوية والفعالة بشأن محاولات إيصال صوت المعارضة البحرينية إلى مختلف المنابر الديمقراطية والحقوقية الدولية، والعديد من وسائل الاعلام العربية والاقليمية والعالمية، وضعف الوسائل الفعلية والعملية، التي كان يفترض أن تعكف على تهيئة الشارع البحريني للصمود الطويل في وجه الحملات الامنية المشددة والصارمة التي ظلت تمارسها السلطة البحرينية بشكل يومي لكسر شوكة المعارضة الوطنية والاسلامية، في ظل غياب كامل لمنظومة عمل اعلامية موحدة لجميع قوى المعارضة سواء في الخارج أو في الداخل، بحيث أصبح لكل فصيل من فصائل المعارضة، اسلوبه الخاص والمنفرد في التعامل مع الحدث، ومع وسائل الاعلام المختلفة، ومع اللقاءات الصحفية، واصدار البيانات والنشرات الاعلامية والادبيات وغيرها، وبما في ذلك أيضا رسوخ بعض قضايا الخلاف والحساسية المفرطة وانعدام الثقة المطلقة بين بعض الفصائل، التي كان يجب أن تنتهي، ولذلك فقد أصبح الأمر كما لو أن جميع قرارات وتوصيات هذا المؤتمر، التي شددت بقوة على توحيد الصف والتوافق والتعاون بين جميع القوى المناضلة في الخارج وعلى مستوى الساحة البحرينية، وتكثيف الحملات الاعلامية والميدانية ضد النظام، قد ذهبت سدى وانتهى الأمر، وكان الله غفورا رحيما.
تظاهرة احتجاجية حاشدة أمام بوابة السفارة البحرينية في لندن:
في 16 كانون الاول/ديسمبر، بعد يومين من المؤتمر، نظمت قوى المعارضة البحرينية، تظاهرة حاشدة أمام مبنى سفارة البحرين في لندن، التي كانت تحتفل في ذلك اليوم بمناسبة ذكرى ما يسمى (بالعيد الوطني) للبحرين، وكان في مقدمة المشاركين عبدالرحمن النعيمي، الذي رشحته قوى المعارضة البحرينية، ليكون الناطق الرسمي بإسمها أمام الصحفيين وعدسات التصوير، ومن بينهم مراسل قناة الجزيرة القطرية، القناة الفضائية العربية الجديدة، التي بدأت باكورة عملها في ذلك العام، حيث أجرى معه مراسلها في لندن حديثا متلفزا تناول جميع التطورات المستجدة على الساحة البحرينية.
كنت إلى جانب النعيمي وقد شاهدته خلال اللقاء، وهو يرجف من شدة زمهرير البرد القارس اللندني، حيث لم يكن حينها يرتدي أية (ملابس ثقيلة) تقيه من هذا البرد، وهو يجيب بحرارة بالغة على جميع أسئلة مراسل القناة، حول جميع ما ظلت تشهده الساحة البحرينية من أحداث مقلقة وخطيرة.
شاركت في هذه التظاهرة الحاشدة ويبدو أنها لاول مرة، أعداد كبيرة من أبناء الجالية البحرينية وافراد الجاليات العربية الأخرى الداعمة لقضايا النضال في البحرين، والتي ظل يهتف فيها جميع المشاركين بصوت واحد مسموع، بشعارات الحرية والديمقراطية، والوحدة الوطنية الشعبية ” لا شيعية .. لا سنية وحده وحده وطنية” ورفعوا خلالها صور شهداء الانتفاضة الدستورية، أمام مرأى ومسمع الصحفيين ومختلف وسائل الاعلام البريطانية والعربية والاجنبية العاملة في لندن، وكذلك المجاميع المارة من الاشخاص، الامر الذي أربك عمل طاقم ومنظمي أحتفال السفارة، ودفع بهم لفتح أبواب خلفية ضيقة لتأمين دخول الضيوف إلى الفندق، حتى لايسمع أحدا منهم، هدير الاصوات الهائجة، ضد ممارسات النظام الخليفي القمعي.
وفي المناسبة، لازلت أتذكر أنه كان في عداد الضيوف المدعوون للاحتفال بهذه المناسبة، رفيق قيادي بارز سابق، كان يعمل معنا في صفوف الجبهة الشعبية في البحرين، في حقبة سنوات السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، ثم أبتعد بعيدا جدا عنا منذ تلك الفترة، وبعدها عاش سنوات طويلة في لندن، قبل أن يعود إلى البحرين في فترة العفو العام الشامل في 2001 وحينها أقترب مني الرجل ملاصقا وسألني بهذا السؤال :”كيف.. أنت .. وعبدالرحمن النعيمي، غررت بكم هذه الجماعة الطائفية، وتواجدتم هنا معها؟ وما هو القاسم المشترك بينكم .. انتم يساريين متنورين ومعتدلين، وهم اسلاميين طائفيين ومتعصبين للغاية، وما كان عهدنا بكم هكذا ؟” وأجبته حينها بكل شفافية ووضوح:” هذا هو واجب وطني، نساهم فيه بشدة وندعمه بإسم لجنة التنسيق المشتركة بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير، والقاسم المشترك بيننا هو مواجهة الظلم والاستبداد، وخدمة القضية الوطنية والنضال من أجل قضية الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين، تنحى بعدها جانبا ومضى في طريقه باتجاه فناء الفندق. ولكن عندما شاهد عدد من المدعوون صور الشهداء، ومختلف الشعارات والملصقات الكبيرة، التي صورت بحور الدماء في الاحتجاجات والاعتصامات السلمية، صعقتهم أهوال تلك المشاهد، وتنحى بعضهم جانبا وغادروا المكان، ولم يشاركوا في احتفال السفارة، كنوع من الاحتجاج على ممارسات السلطة القمعية، وكنوع من التضامن مع نضالات شعب البحرين، وقضيته العادلة.
هاني الريس
5 شباط/ فبراير 2021