“الرهان على جواد خاسر” معارضون بحرينيون، اعياهم التعب، وصاروا يتطلعون إلى نيل نياشين السلطة وامتيازاتها
لقد بدت على وجوه الكثيرين ممن اعتبروا أنفسهم معارضين اشداء للنظام الخليفي الحاكم في البحرين، القدامى منهم والجديد على حد سواء، الأعراض الدالة على كل ما يعانونه من ضعف شديدة في المواقف المبدئية، وعجر شامل عن مواجهة التحديات، وعدم القدرة على مواصلة طريق النضال الحقيقي، فبعد رحيل الدكتاتور النموذجي، رئيس مجلس الوزراء، خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي حكم البلاد بدكتاتورية مفرطة، طوال اكثر من 50 سنة من الزمن، واستخدم خلالها مختلف وسائل القمع والاستبداد المطلق والعسف العام، وتعيين ولي عهد البحرين، سلمان بن حمد بن عيسى ال خليفة، في منصب رئيس مجلس الوزراء، تهافت الكثير من المنافقين ” التوابين” ممن كانت لهم طموحات سياسية، على إرسال رسائلهم التي مفادها، ان البلاد فقدت ” قائدا عظيما ” حقق المعجزات من أجل نهضة البحرين، وقدمها و رقيها ومواكبتها لعصر التقدم والتطور والتنمية، وأن وريثه في هذا المنصب، سلمان بن حمد بن عيسى ال خليفة، سيكون خير خلفا لهذا السلف، وأن بمقدوره القيام بتحمل أعباء المسؤولية الكبرى الملقاة اليوم على عاتقة، وسيدشن بها جميع مرتكزات البناء الجديد، التي تتطلبها قيام الدوله الحديثة العصرية، التي يحتذى بها، ولهذا يتوجب الرهان عليه، في هذه اللحظة التاريخية المؤاتية.
وكانت هناك رسائل تشير ممن ارسلوا هذه الرسائل من المطبلين والمزمرين، وغيرهم الذين راهنوا على التغييرات القادمة في البلاد، بأن رئيس الوزراء الجديد، الذي قد تخرج من الجامعات الأميركية والبريطانية، سيكون هو فارس المرحلة القادمة، وانه قد يصبح المدشن الرئيسي الأول لعملية التغيير السياسي خلال المرحلة الانتقالية المباشرة، باعتباره صاحب نظرة ثاقبة في تقييم الفرص السياسية العامة، وقادرا على التوفيق بين أطراف النقيض داخل المحتمع، وفي كيفية معالجة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية المتعددة، التي تحتاج إلى معالجات مهمة وسريعة وملحة، ولهذا السبب هرول الكثيرون من شداد الآفاق، في سباق محموم لتقديم مختلف صكوك الولاء له ولعائلته الحاكمة، واعتقادهم بأنه ربما سيكون سعيدا جدا برسائل ترحيبهم وتمجيدهم، وتمنياتهم له بالنجاح السديد، في مسيرته الإصلاحية الجديدة والظافرة، ومن خلال تلك الرسائل أيضا سيبادلهم نفس تلك التحية، وسيفرش لهم بساط الورود، التي ربما تصل بهم او لبعضهم لتسلم مواقع مرموقة في نطاف السلطة، أو في مختلف مؤسساتها الرسمية، كما كان قد ظفر الكثيرون ممن تخلوا عن نضالاتكم الوطنية ومعارضاتهم للنظام، والذين استطاعوا اللعب على الحبال كثيرا وضخموا الحقائق إلى حد كبير من أجل تحقيق اهدافهم ومراميهم، وحصل بعضهم على الفتات، ثم احترقت كل أوراقهم ورمي بهم في الشارع .
ولكن ما قد استمع اليه جميع هؤولاء المهرولين والمنافقين وشداد الافاق، من ردود سريعة كانت توحي بأن ترتيبات السياسة البحرينية القادمة ستكون بالتاكيد مستمدة من سياسات رئيس مجلس الوزراء الراحل، ومن إرث الثوابت التاريخية للعائلة الخليفية الحاكمة، التي تحتم عليها استيعاب دروسها الواضحة، وعدم التفريط بها لمصلحة شركاء صغار في رسم سياسات الدولة والمجتمع، وغير موثوق في ولاءتهم وخدماتهم لجميع مشاريع هذه العائلة، فالسلطة أصبحت تعرف بحق وحقيقة اهدافهم وماربهم، فمن لا يستطع أن يصمد في مواقفه الشجاعة والمبدئية ويخونها، لا يمكن باي حال الوثوق به أو الإعتماد عليه .
وان كان هذا التبدل الصارخ في مواقف كل هؤولاء المهرولين والمنافقين وشداد الآفاق، قد عزز الروح المعنوية بعض الشيئ لاعضاء العائلة الخليفية الحاكمة، وبالخصوص منهم رئيس مجلس الوزراء الجديد، سلمان بن حمد بن عيسى ال خليفة، الذين ربما قد شعروا بنوع من الارتياح والاطمئنان على مستقبلهم، من حدوث شرخ عميق، في صفوف المعارضة البحرينية، التي وقفت لهم دائما بالمرصاد، والتي هي في الأساس ظلت منهارة ومنهكة من جراء كثرة الضربات الأمنية التي اوجعت خواصرها، واثقلت كواهلها، على امتداد عقود مضت، وبقيت ممزقة الاوصال كنتيجة لعدم انسجامها واحترامها لبعضها البعض، وتحيزاتها التنظيمية والفئوية، وكذلك الطائفية، ووجود عناصر مشبوهة ومخترقة في صفوفها، وعناصر أخرى متدبدبة، وتمنح الولاء لقوى خارجية، وتمول كل مشاريعها على حسابها، إلا أن هذا الشعور بالارتياح لا نعتقد بالضرورة انه سيغير شيئا مهما من مواقف هذه العائلة الحاكمة، التي ظلت على الدوام متصلبة للغاية، والتي كانت قادر على كبح المواجهات، وردع التحركات المطلبية الكثيرة، ضد مختلف قوى المعارضة البحرينية غير الموحدة وغير الواثقة من نفسها ومن مستقبلها، والتي تعتبرها العائلة الحاكمة قد اساءت لها كثيرا وعارضت مختلف سياساتها في البلاد، واستخدمت ضدها في الأحيان أدوات القوة والعنف، والاستقواء بقوى خارجية، ولا نعتقد في كل الأحوال إنها بصدد فتح “صفحة جديدة” مع مختلف القوى السياسية وايضا مع المجتمع، وذلك مهما ارتفعت أصوات المنافقين والمطبلين والمزمرين، والراقصين على مسرح الولاء للعائلة، نظرا لاحساسها القديم والحالي بفرط الكراهية بينها وبين من عارضوها وشهروا بها، ان على المستوى الوطني، أو من خلال المنابر والمحافل الدولية، والذي كان قد تنامى بشدة كبيرة بعد أحداث حراك 14 شباط/ فبراير 2011، الذي مزق وبقوة أوصال المجتمع البحرين برمته، وبلغ به مستوى الاحتراب الطائفي والمذهبي العنيف .
ومن المستبعد أيضا أن تجري رياح مختلف قوى المعارضة البحرينية بكل فصائلها وانتمائاتها السياسية والعقائدية، بما قد تشتهي سفنها، لأن الشرخ أصبح عميقا جدا، بينها وبين السلطة، وأن العديد من القضايا الملحة مازالت موضع خلاف بين الطرفين المصارعين في الساحة، ولذلك يصبح من الطبيعي جدا نشوب خلافات أخرى بينها على مختلف هذه القضايا، وذلك عندما لم يحدث هناك أي تغيير جوهري في المواقف الحكومية المتصلة والعنيدة، تجاه معالجة جميع الملفات الساخنة، والوضع المازوم على الساحة البحرينية، الأمر الذي قد يضفي عدم مصداقية حدوث انفراح سياسي قريب، بعد رحيل الرجل القوى في الدولة، خليفة بن سلمان آل خليفة، ولن تكون هناك اية مصالحة وطنية حقيقية وشاملة، في ظل وجود رئيس وزراء جديد، سيركز بكل تأكيد اولا واخيرا فقط على مصالح وامتيازات العائلة الحاكمة، من دون غيرها من القوى الأخرى المنافسة لها، وسيكون ملتزما بالثوابت التاريخية للعائلة الحاكمة، وهذا الأمر اذا حصل، قد يجعل معظم الأمور الخلافية مراوحة في مكانها، وانه من الصعب أيضآ اذا كان من الممكن هناك وجود فرص لكل المهرولين والمطبلين والمزمرين للنظام، الاهثين وراء المناصب الوزارية أو غيرها في مؤسسات الدولة الرسمية ومجالسها المعينة، في الحصول على الوظيفة المنشودة، ويبقى الرهان هنا خاسرا بالنسبة لهم، وأما بالنسبة للاخرين، فان هذا التهافت على تقديم صكوك الولاء للسلطة من دون الحصول على الثمن، سيعرض جميع اصحابة لسقوط إضافي في نظر المجتمع، الذي كان يعول عليهم في الوقوف إلى جانبه، والدفاع عن مصالحه وكافة مطالبه الوطنية المحقة والمشروعة، بل هو يبقى واضحا، في نطاق الانحدار الشديد والسقوط العنيف بعينه .
هاني الريس
18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020